يكاد لا يمر فصل إلا تتدفّق الكتب مدافعةً عن سيغموند فرويد او مهاجمةً اياه. هذا الميل الذي يرقى الى زمن رحيل عالم النفس الكبير قبل عقود، سجل مؤخراً صدور كتابن لفتا النقّاد. الاول أعدّه انثوني ايليوت بعنوان "فرويد 2000" اكسفورد، 308 صفحات، وقد حدد ايليوت مهمته بأنها "تفحّص نقدي لجدوى فرويد واهميته قياساً بالثقافة المعاصرة" و"لتحديات القرن الواحد والعشرين المابعد حداثي". المساهمون في الكتاب كلهم معروفون بفرويديتهم، ولهذا عبّرت مقدمة ايليوت بغضب عن ان نقّاده يشنون "هجمة" عنيفة على فرويد محكومة مسبقاً بعدائهم وتوترهم، بنرجسيتهم وتصعيدهم لانعدام الثقة الكامن في نفوسهم. مع هذا فالدفاع عنه كشف عن مدى اصطباغ الفرويديين بنزعات واتجاهات وتأويلات جديدة ما لبثنا ان رأيناهم يسبغونها على المعلم الراحل. ففي الكتاب نقع على عناوين "فرويد الشاب" و"فرويد المسن"، لكننا نقع ايضاً على "فرويد اللاكاني" و"فرويد الحداثي" و"فرويد ما بعد الحداثي" و"فرويد الانسانوي" و"فرويد المضاد للانسانوية" و"فرويد العلموي" و"فرويد المضاد للعلموية" و"فرويد التوجيهي"، لا بل، معاذ الله، "فرويد النسوي". اما الكتاب الثاني فهو ايضاً مُعدّ، وقد أعده فريدريك كروز حاملاً عنواناً دالاً "فرويد الذي لا صلاحية له - شكوكٌ في مواجهة اسطورة" فايكنغ، 336 صفحة. في هذا العمل حشد كروز، المعروف في بريطانيا بحدّة مراجعته للفرويدية، عشرين مقالة سجالية صمّم اصحابها على هدم الصرح الكبير. فما أنشأه فرويد، بحسب مقدمة المُعد، يستند الى "اخطاء مفهومية أُحسن توثيقها، ومُسبقات افتراضية لا تكل، وعدم اكتراث بالامثلة المضادة، وطريقة تحايُل على التفحّص، واختصار لعمليات التفكير والاستنتاج…". والحال ان راهنية الاهتمام بفرويد وإلحاحه يحملان الكثير من المعنى، على رغم اللكمات التي وجهتها الماركسية والنسوية والنزعة المحافظة وغيرها اليه. ومن هذا المعنى ان النقاش هو دائماً على ارضٍ أرساها ومنهج انشأه، وبعد ذلك للناس ان يسهروا ويختصموا… بحسب بيت المتنبي الشهير.