عندما يصبح تشكيل حكومة في بلد ما موضوعاً لمسابقة، ينال الرابح في ضوئها جائزة، فإلى أي وضع سياسي يكون آل؟ فإحدى محطات التلفزة في لبنان تبث منذ أسبوعين تقريباً إعلاناً لمسابقة محورها الرقم 24: شكل أيها اللبناني حكومة من 24 وزيراً لا 30 كما درجت العادة منذ ثماني سنوات. أرسل أجوبتك إلى المحطة قبل 24 تشرين الثاني نوفمبر 1998، أي قبل موعد التسليم والتسلم بين عهدين. فإذا كانت التشكيلة التي رجَّحتَ مطابقة أو شبه مطابقة للحكومة المشكَّلَة... تربح سيارة كورية حديثة ثمنها 24 مليون ليرة لبنانية نحو 500،17 دولار... كأن هذه ال 24 رقم حظ جديد. المتجاوبون مع إعلان المحطة، المرسِلون أجوبتهم بالفاكس أو بالبريد، وبحسب أحد المعنيين بالمسابقة من موظفيها، لم يتجاوز عددهم حتى أمس، الثلاثمئة، متوقعاً أن تكثر الأجوبة مع إقفال باب الإشتراك، ليروح المعنيون يترقبون، كما لو أنهم يتابعون برنامج اليانصيب أو اللوتو، مرسوم تشكيل الحكومة ليعرفوا هل أصابوا أم لا، وبالتالي هل ربحوا أم لا... ولكن ماذا لو رست الجائزة على أكثر من رابح؟ هل تضاعف الجائزة، وهي عينيَّة، أم تقسم في ما بينهم؟ ولا يبدو هذا الإعلان غريباً، في توجهه، عما تتناقله صحف وأوساط سياسية ومصادر ثقة ومطلعة وعليمة... بمن فيهم لبنانيون عاديون، عن تشكيلات وزارية، في صورة قريبة مما تشهده البورصة في عملها. واحد يثبَّت وما أكثر من يعدون أنفسهم أو هم في الواقع ثوابت ، وآخر تتقدم أسهمه، وثالث تتراجع، ورابع بالون اختبار، وخامس يزداد الطلب عليه... في وقت لا يخفى على أحد كيف تشكلت الحكومات الأخيرة، وفي أي مطبخ، ومن أين ينبعث الدخان الأبيض، إلا إذا كان التغيير المحكي عنه سيشمل هذا الجانب أيضاً. وثمة تساؤل: ألا يعتبر هذا النوع من التعامل مع قضية يفترض أن تكون مصيرية هي تشكيل الحكومة إنحداراً بها إلى مستوى برامج الألعاب والتسلية التي تملأ مساحات زمنية واسعة من الأعلام المرئي في لبنان، وكلها تقوم على مبدأ المسابقة والجائزة والحظ والمشاركين والمقدمين والمعلنين والمسوِّقين ومصممي الديكور ومنفذيه والعاملين الآخرين وصولاً إلى المخرجين؟ ومن دون أن ينطوي هذا التساؤل على اتهام المحطة بسوء النية أو الإستخفاف بهذا الحدث السياسي، قد تكون هي وغيرها وبعض الأندية السياسية والحزبية والجمعيات والمؤسسات المدنية والأهلية والإعلامية ومواطنون كثر يعكسون، في هذا المجال، ما أصبح عليه الوضع السياسي في لبنان، من اهتراء يشكو منه السياسيون أنفسهم حاملين على غياب الحياة السياسية والأحزاب. ويجرؤ بعضهم على القول، بالتصريح والتلميح، أن ليس في يدهم حيلة، في حين ثمة من يعتبر السياسة أخطر علم لأن مادتها الأساسية... الإنسان. ووسط الكلام الكثير على التغيير المنتظر مع العهد الجديد، والذي ينقسم أهل السلطة بين وصفه بالانقلاب الأبيض على سالفه واعتباره استمراراً له، هل يصدق اللبنانيون؟ ومن يصدقون؟ وهل تكون نتائج المسابقة التلفزيونية الوزارية، إذا فرزت أجوبتها وتم التعامل معها على أنها استطلاع رأي، بديلاً من الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، فتُعتمد وتكون الحكومة خرجت هي أيضاً من رحم إرادة الشعب؟ ننتظر... علّ غودو يأتي هذه المرة