في الوقت الذي يبحث أنور قوادري مخرج فيلم "جمال عبدالناصر" عن مشروع سينمائي جديد، يواصل فيه مسيرته بعد النجاح المتوسط الذي حققه فيلمه هذا. وفي الوقت الذي يقول إنه سيحاول من الآن فصاعداً ان يحقق مشروعاته في الخارج، بعيداً عن الاشكالات المتنوعة التي تطرح في كل مرة يمس فيها فيلم قضية عربية، يواصل الفيلم مسيرته المتعرجة والحافلة بالصخب... وبالمواقف المتناقضة ايضاً. التناقض أولاً، فيلم "جمال عبدالناصر" لم يسمح بعرضه بعد في سورية، عرض في مصر ولم يحقق النجاح الجماهيري المرتجى رغم انه يمس جزءاً أساسياً من التاريخ المصري الحديث. في الأردن اضطر المخرج لأن يحذف من فيلمه مشاهد عدة تتعلق بما يسمى "ايلول الأسود". في أوروبا بدأ الاهتمام بالفيلم يتوسع. في البلدان العربية تنقسم الصحافة بين مؤيد للفيلم ومهاجم له. مهاجموه ينقسمون الى فئتين: الفئة التي شاهدت الفيلم، ورأت فيه عيوباً، والفئة التي لم تشاهده أصلاً، وبنت هجومها على ما قيل ويقال. ونادراً ما تمكن فيلم من ان يقسم الناس على هذه الشاكلة. البعض قد يرى في الانقسام ظاهرة صحية، فوحدها الاعمال المتوسطة والرديئة تثير الاجماع مع أو ضد. المخرج يَرى انه كان الأحرى بفيلمه ان يحقق اجماعاً "لقد قدمت صورة زاهية ونزيهة للرئيس الراحل ولمصر... ويدهشني ان ألقى كل هذا العنت من قبل الناصريين أنفسهم، ويتساءل أنور القوادري عن السبب: هل لأنني غير مصري؟ هل لأنني قدمت عبدالناصر رجلاً محباً للسلام؟" لكن أسرة الرئيس الراحل لم تكن الوحيدة التي لم يعجبها الفيلم، هناك انظمة عربية لم تستسغ ان تُحيى ذكرى عبدالناصر على هذه الشاكلة. وهناك اسرة عبدالحكيم عامر التي هاجمت الفيلم منذ البداية. واليوم تواصل هجومها بطريقة جديدة، اذ يقول القوادري ان السيدة سوسن عامر، ابنة المشير الراحل أقامت دعوى قضائية في فرنسا ضد الفيلم متهمة إياه بالإساءة الى سمعة أبيها. لماذا في فرنسا؟ لأن الفيلم عرض هناك، في الهواء الطلق الصيف الفائت، ولأن كثرة الدعاوى في القاهرة تحجب أي ضجّة جديدة. أما في لندن، فعرض الفيلم ضمن نشاطات اكاديمية الفيلم البريطانية، بوصف مخرجه انكليزي الجنسية. "هنا، شعرت لأول مرة ان هناك جمهوراً يتعامل مع الفيلم بحرية ونزاهة". يقول أنور القوادري لپ"الحياة": على رغم ان الفيلم "ليس طيباً مع الانكليز"، حسب تعبير القوادري. والنقاش الذي تلا العرض كان جاداً وسياسياً وفنياً في الوقت نفسه. "لقد جاءني متفرجون أثنوا على الفيلم قائلين: اقنعنا فيلمك بأن عبدالناصر كان رجلاً وطنياً يحب السلام. واننا نحن ننتمي الى بلد ظلم مصر وعبدالناصر كثيراً". لفت نظر الجمهور البريطاني خصوصاً، موقف عبدالناصر من السلام، ورغبته فيه واستنكاف الاسرائيليين عن سلوك سبيله. كما اثنوا على الطريقة التي صور بها خالد الصاوي، وسألوه من أين أتيت به وكيف حدث انه يشبه عبدالناصر الى هذا الحد؟ اعجبتهم كذلك عبلة كامل في دور زوجة عبدالناصر، الأكثر اعجاباً بعبلة كامل كانت الممثلة جولي كريستي التي قالت: "لقد بكيت حقاً حين مات عبدالناصر، أروع ما في الفيلم أنك صورت موته عبر نظرة زوجته" وأضافت: "اعترف لك أنني أحب جمال عبدالناصر منذ زمن بعيد واعتبره واحداً من ابطالي الحقيقيين. ولم يزد هذا الفيلم إلا حباً في حبي له". وشاهد الفيلم الناقد دايفيد روبنسون، الذي أثنى على الفيلم قائلاً: "أهم ما فيه ان يقدم للمتفرج الغربي صورة عن عبدالناصر مغايرة للصورة المعهودة عنه. من هنا أتوقع له في أوروبا نجاحاً يفوق نجاحه العربي".