كان الابناء في مصر حين يتزوجون يسكنون "الدار الكبيرة" للوالدين، وذلك لأن الآباء كانوا يعملون إما في التجارة أو الزراعة، وكان الأبناء يتعاونون معهم في مهنهم. كان ذلك في النصف الأول من القرن الحالي، حين كانت حماة الزوج هي المدبرة الأولى لهذا المنزل الكبير، توزع الاختصاصات بين بناتها وزوجات ابنائها. وحتى لو ثارت مشاكل عادية تحصل في كل بيت، كانت الأمور تعالج بحكمة. لكن المجتمع المصري طرأت عليه تغيرات سريعة من الناحية الثقافية والاجتماعية، فعلمت المرأة، وخرجت الى ميدان العمل متساوية بذلك مع الرجل، فزوجة الابن، لم تعد - في أغلب الأحيان - خاضعة لسلطات حماتها، ورغم ذلك، فإن نسبة كبيرة من المشاكل الزوجية الشائعة حالياً في مجتمعنا سببها تدخل الحماة في حياة الزوجين، ولا سيما في السنة الأولى من الزواج، إذ أحياناً يظن الأهل أنه يجب عليهم التدخل لحماية أحد الزوجين من الآخر، فأهل الزوج يدفعونه الى التمسك بالسلطة في بيته، وأهل الزوجة يدفعونها لعدم التنازل عن حقوقها. ويظل كل من الزوجين يتلقى النصائح "المضادة" من الأهل التي تدعوه الى السيطرة والتشدد وعدم تقديم تنازلات للطرف الآخر، ما يزيد الفجوة بين الزوجين، والأخطر أن هذا التدخل يسبب نفوراً بين الزوجين من جهة، وبينهما وبين ذويهما من جهة أخرى. وبذلك اكتسبت الحماة، سواء حماة الزوج، أو الزوجة سمعة سيئة. يقول أمين عام المجلس الأعلى للآثار السابق الدكتور عبدالحليم نورالدين: "إن الشواهد في التاريخ كثيرة على استنكار الأزواج لتصرفات الحماة، والآثار المصرية تنطق بكثير من ذلك، فقد كانت الملكة حتشبسوت حماة عنيفة، فلما توفيت واعتلا زوج ابنتها عرش مصر، كان أول ما قام به أن جمع تماثيلها وحطمها جميعاً، وفقأ عيونها، وشوّه أنوفها، ثم توجه الى الجدران التي نقشت عليها أسماؤها والمسلات والآثار، فمحاها. وعكس ذلك كم الحقد والغيظ اللذان كان يكنهما لحماته، ولم يستطع أن يصارحها في حياتها بهما، فكظم غيظه وحين ماتت شفى غليله بالانتقام منها. وقالوا في الامثال الشعبية عن الحموات "القط له سبعة أرواح"، و"الحماة لها أرواح سبع قطط"، و"الحماة كموظف الحكومة الذي يجد مشكلة لكل حل"، و"الجنة تحت أقدام الأمهات، وجهنم تحت اقدامهن حين يصبحن حموات"، و"أن تحب حماتك هي محاولة لتحويل البومة إلى حمامة"، و"بيت الزوجية مسرح، حماتك تقوم فيه بدور المخرج والمؤلف والملقن وأنت تدفع ثمن التذاكر". وقد استطلعت "الحياة" آراء عدد من الزوجات والحموات وعلماء الاجتماع. البعض قال إن "الحياة مع الحماة أمر مرفوض تماماً". أخريات قلن: "إنهن يعاندن حمواتهن ليثبتن سلطانهن". وفريق ثالث أكد أنه لا دعي للعناد طالما الزوجة واثقة من شخصيتها. تقول ايمان ابو الخير صيدلانية وزوجة ان الحياة في مسكن واحد مع الحماة مرفوض تماماً وذلك من أبرز العوامل التي تهدد استقرار الزوجين. وتضيف: "العيش مع الحماة - سواء كانت أم الزوج أو الزوجة - يضر بكل من الزوجين ضرراً بالغاً، وقد لا يظهر هذا الضرر في بداية الزواج، لكنه سيتضح فيما بعد". ولفتت إلى أن أبرز صور ذلك الضرر هو حرمان الزوجة من حق من حقوقها المشروعة وهو أن يكون لها مسكن خاص، ترعى فيه أمورها واسرتها دون تدخل من أحد، ولا شك من أن هذا الحرمان يلقي بظلاله على الحياة الزوجية كلها، وفي حالة سكن حماة الزوجة معهما فعلى الزوج أن يتوقع حدوث مشاحنات ومصادمات بين زوجته ووالدته. وسيجد نفسه في نهاية الأمر مسؤولاً عن فض هذا النزاع، وهيهات ان يقدر. وتشير أبو الخير الى نقطة بالغة الحساسية، وهي أن الزواج في منزل الأهل يحدد المعاشرة الجنسية بين الزوجين، لا سيما اذا كان ذلك في منزل أم الزوج، فالأم احياناً لا ترحب في قرارة نفسها، بكثرة معاشرة ابنها لزوجته، عكس أم الزوجة. عشة فوق سطوح أفضل من الجلوس في قصر مع حماة. وتقول السيدة ماجدة محروس موظفة وزوجة صحيح أن الحب هو الركيزة الاساسية في بناء البيت السعيد، وصحيح ان الحب قد يدفع العروس الى أن تضحي باستقلالها بعد الزواج، وان تسكن مع أسرة الزوج، لكن سرعان ما يظهر الشعور الحقيقي للحماة، وهو اعتبارها ان الزوجين ضيفان متطفلان، انها صاحبة فضل عليهما، وينعكس ذلك على العلاقات في داخل البيت تسوء بمرور الوقت، ويجد الزوج نفسه في موقف لا يحسد عليه، فرغم علمه في كثير من الاحيان أن أمه متجنية على زوجته، إلا أنه لا يأخذ موقفاً أما خوفاً منها أو تأدباً والنتيجة أن الحب قد يذوب مع كثرة المشاكل. أما السيدة هناء فهمي زوجة ان شقيقة الزوج تقوم أحياناً بدور الحماة، ولكن بشكل أقسى، اذ أن الأم - مهما احتدم صراعها مع الزوجة - إلا أنها تخاف على ابنها، لكن شقيقته قد تصل في صراعها مع زوجة أخيها الى اقصى الحدود، وتظهر هذه المشكلة خصوصاً اذا كانت الشقيقة غير متزوجة، فتشعر بالغيرة الشديدة من زوجة أخيها، كما ترى الزوجة في اخت زوجها غريماً، اذا كان زوجها يهتم بها أو ينفق جزءاً من دخله عليها. وتقول: إن هذه ليست قاعدة، إذ انه في أحيان عدة تنشأ صداقة متينة بين الزوجة وشقيقة الزوج. لماذا ظهرت مشكلة الحموات وكيفية علاجها؟ تقول الدكتورة نادية برسوم أستاذة علم الاجتماع في جامعة طنطا أن كلاً من الزوجة والأم تحاول ان تكسب الزوج الى صفها، واذا كان والد الزوج متوفياً، فيشعر الابن بالمسؤولية نحو أمه، ويرى انها في حاجة على رعايته وحمايته. وتضيف: أن الزوجة وهي تدخل حياة جديدة للمرة الأولى تشعر بعدم الأمان والخوف، إذ أنها تشعر أنها غير مدربة على الحياة الزوجية لذا تخشى المقارنة بينها وبين الأم. وطبيعي أن التنافس غير متكافىء، فتلجأ الزوجة لأسلحة أخرى لكسب الزوج. وتضيف برسوم: أن زواج الابن يؤثر في الأم أكثر من الأب، إذ أن حياة الأم تتمركز حول الأبناء، في حين أن اهتمام الأب يكون منصباً على العمل. واضافت أن كلاً من الزوجة والأم تسارع بالشكوى للابن لدى حدوث مشكلة، وتعتقد كل منهما أن الزوج يساند الطرف الآخر. وتشير برسوم الى أن الزوج الذي لا يأبه بمشاعر زوجته في هذا الصراع الخفي مع الأم، يعقد المشكلة. واضافت: أن هناك مشكلة أخرى تظهر اذا كانت الحماة لا تزال تتمتع بشيء من الصحة والجمال، اذ تغار من زوجة ابنها، كما أن الزوجة تنظر لحماتها باعتبارها العجوز المتصابية حتى ولو لم تصرح بذلك. وهنا يحدث الصراع الأنثوي المعهود: من الأجمل؟ ومن الأجدر بحب الابن؟ وتحاول كل منهما أن تجد عيوباً في الأخرى. وتوصي برسوم الحموات بأن يترفقن بأزواج بناتهن أو بزوجات ابنائهن، ولتتذكرن انهن في يوم من الأيام كن زوجات يعانين من معاملة الحموات.