لم يحدث ابداً من قبل ان تعرضت الرئاسة الاميركية الى هجمات وتهديدات سياسية ذات دوافع حزبية ضيقة كالتي استهدفتها خلال المناقشات التي دارت في الاسابيع الماضية حول اجراءات الاقالة بالارتباط مع "قضية مونيكا". واصبحت مسألة ما اذا كان ينبغي إقالة الرئيس بيل كلينتون موضوع نقاشٍ وجدلٍ حاميين. وتصدرت الصحف الاميركية التفاصيل الفضائحية لما اصبح رمزاً لولع الاميركيين بتفاصيل شخصية وروايات حول الشخصيات البارزة تشبه مسلسلات التلفزيون الشعبية. ولا تؤدي مثل هذه الاعمال الى الحط من مكانة أعلى منصب في البلاد فحسب بل يمكن ان تجعل الولاياتالمتحدة موضع سخرية في نظر بقية العالم. لكن الهجمات "المُحازبة" التي تعرض اليها الرئيس لم تحقق الهدف المخطط لها. فقد اُجريت استطلاعات للرأي مراراً وتكراراً خلال الاشهر القليلة الماضية حول مشاعر الاميركيين تجاه الرئىس كلينتون وآرائهم في شأن مستوى ادائه وظيفته. وكشفت نتائج هذه الاستطلاعات باستمرار ان هذه القضية لا تشكل عاملاً رئيسياً في تقرير ما يفكر به الناخبون في شأن مستوى ادارة الرئىس للبلاد. فالجمهور العام اكثر اهتماماً بالمشاكل الآنية التي تُبتلى بها بلادنا ومدى إظهار الرئىس قدرته على اتخاذ خطوات ايجابية لمعالجة هذه العلل الاجتماعية. هذا هو المعيار الذي سيُعتمد لتقويم ادائه، وليس بالاستناد الى الشائعات التي تطلقها الصحف الشعبية والامور المتعلقة بحياته الشخصية. لكن الكثير من هذه "الاجندة" الاجتماعية الملحة والمهمة - الحرب على الفقر، البرامج المعدة لمساعدة المدخنين في كفاحهم ضد الإدمان على النيكوتين، رفع مستويات التعليم والمدرسين، "مشروع قانون حقوق المريض" في مجال الرعاية الصحية، الحاجة الى توسيع وتحسين رعاية الاطفال - جرى تجميده فيما يلاحق الكونغرس قضية الاقالة. لا يمكن للمرء الاّ ان يستنتج بأن الزعامة الجمهورية للكونغرس تستخدم مصاعب الرئيس كلينتون الشخصية والقانونية لتحويل الانتباه عن الاقتراحات التي قدمها الرئىس لمواجهة مجموعة واسعة من المشاكل على الصعيدين الوطني والعالمي. ويبدو ان المخططين الاستراتيجيين في الحزب الجمهوري، بعدما فشلوا مرتين في الحؤول دون انتخاب كلينتون، استنتجوا بأن احسن وسيلة لاعاقة برامجه التشريعية وإضعاف فاعلية الحكومة الفيديرالية هي مواصلة التركيز على الفضيحة الشخصية. ما يزيد الامر إيلاماً انه في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي مشاكل تجد الولاياتالمتحدة، التي تملك اقوى اقتصاد وطني في العالم، نفسها مقيّدة وغير قادرة على مواجهة هذا التحدي بسبب انشغال جزء كبير من دوائر واشنطن الرسمية بموضوع الاقالة. واضح ان الرئىس ومساعديه يجدّون في البحث عن سبل دعم الاقتصاد العالمي المضطرب. وأفلح كلينتون اخيراً، بعد جهود دامت سنة، في اقناع الكونغرس بدفع 18 بليون دولار الى صندوق النقد الدولي وفق الالتزامات المترتبة على الولاياتالمتحدة. لكن لا جدال، حسب ما يبدو، في ان البيت الابيض يمكن ان يفعل المزيد رداً على اخطر ازمة اقتصادية عالمية منذ الحرب العالمية الثانية لولا إستنزاف وقت الرئىس وطاقته واهتمامه نتيجة "قضية مونيكا". تتطلب تلبية حاجات المجتمع الاميركي وضمان حسن اداء الاقتصاد العالمي حلاً سريعاً لقضية الاقالة. علماً انه لا تحبذ او تتوقع سوى اقلية من الاميركيين ان يُقال الرئيس او يستقيل. وانا واثق من ان اياً من هاتين النتيجتين لن يتحقق. لقد حان الوقت لدفن هذه القضية واستئناف العمل لمواجهة الالتزامات الجدية لحكومتنا في الداخل وخارج البلاد. هذا هو رأي معظم الاميركيين، كما تشير نتائج استطلاعات الرأي. انه موقف الغالبية الساحقة للمجتمع الليبرالي الاميركي التي تريد ان يجري التصدي بقوة اكبر للمشاكل الفعلية التي تواجه البلاد. * سناتور سابق. المرشح الديموقراطي للرئاسة في انتخابات 1972. حالياً سفير الولاياتالمتحدة لدى وكالة الغذاء والزراعة الدولية في روما