عقدت في بيروت في الفترة من 3 إلى 5 آذار مارس 1998 ندوة "الكتاب العربي" تناقش قضاياه اشكالياته، حضرها مثقفون ومعنيون وخبراء في النشر، وقد خرجت الندوة بعدة نتائج مهمة، نأخذ أقواها دلالة على واقع الثقافة العربية واشكالية التلقي، وهي النتائج التي تصلح كمدخل للحديث حول مشروع اليونسكو "كتاب في جريدة".. وأهم هذه النتائج التي وردت في صورة إحصائية: أن كل كتاب جديد يطبع في العالم يصل الى العرب بنسبة نسخة واحدة لكل مئتي ألف مواطن تقريباً يصل سكان العالم العربي 250 مليون نسمة إن ما يستهلكه العالم العربي من ورق خام للطباعة في العام يقل في مجموعه عما تستخدمه دار نشر كبرى فرنسية أو اسبانية في العام الواحد. أن معدل القراءة موزع بالساعات من الأمى الى النخبة متوسطة يصل نصف ساعة سنوياً!! إذا كان العمل الثقافي العربي بجميع تناقضاته واشكالياته، يقوم على هذا العدد الضئيل من القراء، وذلك الحجم الهزيل من التواصل، فكيف يكون شأنه حين يصبح القراء ملايين، وكيف يمكن أن يكون "ثقل" الثقافة العربية إذاً حين تتعدد قنوات التواصل الثقافي العربي، وحين تتسع دائرة الثقافة لتشمل فئات أخرى، لا شك ان ذلك من أهم الموجبات التي تفرضها اللحظة الراهنة حضارياً، والتي يجئ مشروع "كتاب في جريدة" متزامناً مع تصاعد رؤى متنوعة وجديدة فيما يشبه بعثاً آخر لخطاب الهوية في مواجهة التحديات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تفرض ضرورة مراجعة الذات والتثبت من غاياتها المستقبلية، ثم العمل على تحقيقها بسعي جماعي. التقيت عدداً من المهتمين والمثقفين حول رأيهم في مشروع "كتاب في جريدة" ودوره في السياق السابق، وتحفظاتهم حول المشروع والجوانب الفاعلة فيه، وطرح ضمانة استمراره بشكل أكثر قدرة على تحقيق غياته في إطار مشروع ثقافي عربي مشترك. في البداية أشار الشاعر شوقي عبدالأمير الى أن العرب كثيرو الحماس للعمل المشترك على مستويات عديدة، لكنهم سرعان ما يفكرون في شيء ثم يجهضونه بعد قليل، وعن "كتاب في جريدة" يرى شوقي: أنه أول مشروع ثقافي عربي مشترك، وهو يؤكد أن العرب يمكنهم ان يعملوا معاً على مستوى مؤسساتي عالٍ، شريطة ان يرغبوا في ذلك وألا يجهضوا ما يبدءون فيه. ويضيف شوقي، الذي يرى المشروع "صفحة" أولى لعمل ثقافي ضخم مشترك عربيا: إنها ليست التجربة الأولى عالميا، فقد سبقتنا اليها، وتحت اشراف اليونسكو ايضا، الدول الناطقة الاسبانية 25 دولة وذلك منذ ست سنوات، وقد نجحوا في تجربتهم، كما يقول شوقي، ولا يزالون مستمرين. وعن "كتاب في جريدة" العربي يقول: نحن حققنا نجاحاً في السنة الأولى وأرجو أن نكون على المستوى ذاته مع أفق الاستمرار المأمول. وتوجهت بالسؤال للشاعر "العاكف" عبدالمنعم رمضان، حول رأيه في المشروع فقال: إنه مشروع ثقافي يهدف الى اشاعة الاهتمام بالثقافة والابداع العربي لدى العامة، وهو يأتي كخطوة مهمة في مواجهة ثقافة الصورة التي ضغت علي الجزء الأكبر من الثقافة التي تتعاطاها تلك الجماهير. ويضيف رمضان: إننا لا نتسطيع أن نقيم المشروع على اساس من احتياجات المثقفين أو "النخبة" واكد عبدالمنعم على أهمية ان ينتبه المشرع الى سياق آخر من الابداع العربي في الكتابات العربية الطليعية، ووضعها في أفق المشروع لاحقاً. تقول سيدة المنام القاصة "سحر الموجي" إن "كتاب في جريدة" مشروع جيد ومفيد، فأن تجد الثقافة ميسَّرة بهذه الصورة للآخرين، ذلك ما يجعل الأمل قائما بأن هؤلاء قد يصبحون شركاءً جيدين في المستقبل. أما عنها هي فتقول: استمتعت كثيراً بالعدد الصادر عن الطيب صالح أثناء سفري بالقطار، وكنت ابحث عن شيء للطيب صالح فعلاً، لكنني لا أحب أن اضع المشروع قسرياً في سياق آخر غير سياقه الذي ارتآه لنفسه. اشاد الشاعر رفعت سلام بالمشروع في تقريبه الثقافة العربية للقارئ العام، ومحاولة كسبه قراءً نوعيين على ارضية الثقافة والوعي، لكن سلام تحفظ على الجهد المؤسسي الضخم وراء المشروع الذي تشارك فيه مع اليونسكو كبريات الجرائد اليومية العربية، وهو من وجهة نظره لا يتناسب مع وحجم المشروع فعلياً، مشيراً الى اختلاف الطبعة عربياً من بلد الى آخر، في الاخراج والطباعة بين الفخامة والرداءة، واضاف سلام: هناك مثلا ملاحق ادبية وثقافية متخصصة وفخمة مثل ملحق "اللوموند" ولا يقف وراءها جهد مماثل في الحجم، رغم تأثيرها وسعة انتشارها وجودة طباعتها. أما فيما يتعلق بمعايير وأسس اختيار الابداع العربي الذي يُنشر في "كتاب في جريدة" يقول شوقي عبدالامير: دورة المشروع سنتان، وهذه هي الدورة الأولى تقدم خلالها 24 عدداً من "كتاب في جريدة"، ومنذ بدايته وهو منفتح على الحاضر الثقافي العربي بتنوع ابداعاته بين شعر وقصة ورواية وآدب. ومع النجاح الذي حققته الدورة الأولى أفكر في دورتين تاليتين سوف تشملان كل المبدعين المهمين في كل الاجيال، واعتقد أن شوقي الذي لم يفسًّر مقياس أهمية المبدع عند الاختبار يقصد "المستقرين"، وهو الأمر الذي لا يعني الأهمية على اية حال، فهناك ابداع مستقر ومنتشر بدوافع قسرية وليس مهما بالطبع. ويضيف شوقي: من لا يلحق إبداعه عدداً خاصاً به، سوف يدخل ضمن "انطولوجيا" للابداعالعربي وعندما أثرت معه ردود فعل سلبية لدى بعض المثقفين حول بعض الأعداد التي صدرت، قال شوقي نحن لم نحد عن المعايير والاهداف المعلنة في الصفحة الأولى من كل عدد. وأرى أنه من المهم التذكير بأن "كتاب في جريدة" مشروع تصرف عليه "اليونسكو" في إطار دورها الثقافي، يهدف الى تقديم كتاب مجاني للقراء العاديين، وهم من اسميهم "القارئين" ومن ثم ليس المشروع دار نشر للكتب الجديدة، فما ينشر فيه يجب أن يكون مكرساً ومعترفاً به، وان يكون كتاباً ابداعياً، إذ لا مجال فيه لكتب الفكر والفلسفة التي قد تبدو مرهقة في هذه المرحلة لذهن قارئ نفترض فيه مشاركة ايجابية فيما بعد، خاصة وأن هدف اليونسكو ثقافي بالاساس. ولذلك فقد أخطأ من ظنوا ان "كتاب في جريدة" بوكس لفكرة ايديولوجية أو سياسية أو منبراً لدعوة دينية مثلاً، إنه "تمرين" للقراءة، نحاول من خلاله تمكين "قارئين" من التواصل مع الابداع العربي، انها محاولة لتحسير الثقافة العربية ايضاً، عبر اشراك هؤلاء الملايين الصامتة، الذين لا يحسب حسابهم في اللعبة الثقافية. الناقد شاكر عبدالحميد معروف بمتابعته الحميمة والجيدة لكل ابداع جديد، قال: المشروع جيد فعلاً، لكن يجب ألا يقتصر على "الكبار"، فهناك ابداعات جديدة لجيل الشباب يجب ان يقدمها. وعلّق شاكر خاصة على عدد "القصة النسائية في الوطن العربي" وهو الذي أثار ردود فعل غاضبة بين كتاب القصة القصيرة في مصر ولكن في صمت، قال شاكر بهذا الخصوص: كان يمكن لهذا العدد ان يكون أعداداً كثيرة تستطيع ان تلم بجوانب وتيارات عديدة في كتابة القصة القصيرة في الوطن العربي، فهذا موضوع لا يكفيه عدد وحيد، مما جعله لا يمثل حقيقة الابداع القصصي النسائي، ففي مصر مثلاً - والحديث لشاكر - توجد مبدعات في القصة مثل سلوى بكر، وميرال الطحاوي، وعفاف السيد، ونور امين، ومي التلمساني ونعمات البحيري وأخريات مبدعات حقاً، غير اللتين تناولهما العدد سابق الذكر. يعلق شوقي على ذلك قائلاً: إن هذا العدد صدر تحت مسمى "المختارات" وهي تخضع دائماً لذائقة من يُعدُّها اذ نعتبره في هذه الحال مسؤولاً كمؤلف لكتاب، ومن ثم فنحن نصرف مكافأة موحدة لكل المشاركين متساوية، ينالها في المختارات مؤلفها ونستشير المبدعين المشاركين بابداعهم في المختارات حول هذا الشأن، فإن وافقوا على هذه الصيغة يصدر ابداعهم وإن رفضوا، فلا نملك ازاء رفضهم إلا أن يصدر العدد "المختارات" تحديداً، دون ابداع لهم. وحول هذا يعلق الشاعر رفعت سلام قائلاً: رغم الجهد المؤسسي الضخم الدولي الصيغة تقريباً، فإن المشرع لا يتعامل مع المبدعين وفق الاعراف المؤسسية الدولية، التي تدفع للمبدع حق ابداعه المشارك، حتى وان كان ضمن "مختارات" فسمو هدف المشروع لا يبرر قبول المبدع لمجانية المشاركة. وحول غايات المشروع وجوهره، يقول الشاعر عبدالمنعم رمضان: في الحقيقة إن المشروع لم يوجد ليلبي احتياجات المثقفين بل ليلبي احتياجات القاعدة العريضة المتعطشة للثقافة، وبناء على ذلك فإن معظم النقد الذي وجه ل"كتاب في جريدة" كان خاطئاً من زاوية أنه افترض غير هذا. ويتحفظ رمضان على ان المشروع لم يستطع تحقيق التوازن بين النتاجات الأدبية والابداعية في حجمها وقيمتها في العواصم العربية وبين حجم تمثيلها في إطار إعداد المشروع. ويضيف عبدالمنعم: اعتبر "كتاب في جريدة" مجرد تعبيد طرق وشقها لمن لا يعرفون الآدب العربي وحاضره، واشار الى ان بعض الذين يهاجمون "كتاب في جريدة" يهاجمونه من باب الابتزاز كي يلتفت اليهم. أما موزع الجرائد النشط محمود عثمان فيقول: مع بداية صدور المشروع كنت أضطر - لكثرة الاقبال عليه - أن احجز بعض النسخ لزبائني الخاصين، أما الآن فلا إقبال عليه، لا أحد يتذكر من دون إعلان فالمتابعون وقراء "الاهرام" فقط هم الذين يأخذونه، لدرجة أن البعض يفاجئ باستمرار صدور المشروع، الناس نسيت بعد أن توقف اعلان التلفزيون الذي كان يسبق صدور العدد. بعضهم قال لي: لا اعرف والله أنه لا يزال مستمراً. علق محمد ابو اليزيد - مدرس لغة عربية - على الشكل قائلاً: لقد أعاد المشروع الى ذهني اسماء مبدعين نسيتهم، وعرفني بآخرين ايضا، لكن صدرت اعداد مثل عدد "أمل دنقل" أخطأ الخطاط والمخرج، فقد وردت عناوين لقصائد فيها أخطاء املائية، انه لا يعتمد حرفية الخط المدرسية، فقد تبدو السين "سر" وغير ذلك من الاخطاء الشبهية في خط العناوين في اعداد أخرى. لكن المشروع نشط رغبتي باتجاه معاودة القراءة فعلاً. في النهاية يرى شاكر عبدالحميد ان الشكل ليس جذاباً، مشيراً الى ضرورة وجود صفحات ملونة، وأن يطبع العدد في قطع يسهل معه ان يتحول العدد الى "كراسة" وتمنى ان تتوازي مع الابداعات دراسات نقدية.