عندما يتأمل المرء حقول البن وحقول الموز المغمورة بالماء في اميركا الوسطى بسبب الاعصار فان عليه في الحقيقة الا يشعر بأية شفقة، لأن مالكي تلك الحقول الحقيقيين هم حملة الاسهم من ملاكي الشركات المتعددة الجنسية الكبار، الذين يتحكمون بالسوق العالمي للقهوة والموز، وبالذات "شركة الفواكه المتحدة" United Fruit Company. لنتذكر رواية الكولومبي غارسيا ماركيز "مائة عام من العزلة"، وملحمة التشيلي بابلو نيرودا . وسائل الاعلام تصوّر لنا، للأسف، فلاحين عراة يهربون بأطفالهم او بماشيتهم وكأنهم هم المالكون، ولا تصوّر اولئك الذين بلا شك ما زالوا - بمشيئة الله - على قيد الحياة في اماكن اقامتهم، التي ما تزال عامرة ببساتينها وبأبهتها ومسابحها وصالاتها وحقولها الكبيرة للعب الغولف والتنس، في ميامي، في نيويورك او في تيغوسيغالبا نفسها عاصمة هوندوراس. المالكون الحقيقيون خسائرهم سيعوضها ارتفاع اسعار منتوجات البن والموز والذرة في البرازيل، في كولومبيا، بل في البلدان المنكوبة ذاتها: نيكاراغوا، هوندوراس، غواتيمالا، كوستاريكا. وبالنسبة الى هؤلاء المالكين الحقيقيين، لم يسرق منهم الاعصار، البقرة او العجل الصغير او الخنزير، ولا الكوخ، او الطفل ولا الكلب المصاحب للعائلة المليء بالبراغيث. ولو كانت هناك عدالة على الأرض - نقول لو - لأجبرت حملة الاسهم المتعددي الجنسية هؤلاء على تعويض اولئك الفقراء خسائرهم، وألقت على عاتقهم تصليح الجسور والطرق الغارقة بالمياه، والحقول المخربة والقرى المهدمة، لأننا نعرف ان هذه البلدان هي مجرد عزبات فردية لهم. لكن لا شيء من ذلك. فبالاضافة الى صمتهم المرعب الذي لا يهزه بركان ولا تحركه هزة ارضية، نجد انفسنا - نحن مشاهدي مشهد الرعب هذا امام شاشة التلفزيون - بلا حيلة. ونبدو لأنفسنا اننا نحن المعنيون بالتالي بالاشفاق على الناس المساكين اولئك الذين رأيناهم وسط الفيضانات في حالة يُرثى لها، ووجوههم تعبر عن الشك، لأنهم لا يعرفون، ما اذا كان عليهم حمل طفل ميت ام كيس من القمح ام عجل صغير على ذراعهم. ومما يزيد الطين بلة في هذه الحالات، ان غضب القدر المبهم ينطبق على هؤلاء ليتكامل مع الأوبئة التي تنشرها المصيبة بعد ذلك. فقط الغربان لا تنعق انما تغرد فوق الخرائب. وعندما اتحدث عن الغربان، فانما لأقارنها بتغريد حاملي الأسهم من مالكي شركة الفواكه المتحدة الذين يفركون ايديهم لارتفاع اسعار ما خزنوه في مخازنهم، والا كيف يفسر اغراقهم للسوق بالبن والموز والذرة رغم المصيبة؟ بل كيف يفسر صمتهم؟ وعند الحديث عن هؤلاء يجب الاشارة الى الكنيسة الرسمية في روما وأوروبا. لماذا تصمت حتى الآن، هي التي استعجلت في الليلة نفسها التي حصل فيها البرتغالي خوزيه ساراماغو على جائزة نوبل، اصدار بيان ضد لجنة نوبل لمنحها الجائزة لكتاب "ملحد"؟ لماذا تصمت حتى الآن؟ هل لأن الكنيسة الكاثولكيية غير مؤهلة لشرح القدر الغامض الذي يواجه الفقراء "الكاثوليك"؟ عندما تقترب مني طفلة صغيرة في ارصفة المدينة صحيحة البيان والتغذية، وفي يدها صندوق توفير، وتسألني التبرع لضحايا الاعصار، افكر بأن صدقتي تفترض اذلالاً ما لكل السياسيين والفلاسفة، وآمل الا يخدم ذلك البسيط الذي اتبرع به لانقاذ آلاف حقول البن وحقول الموز التابعة لشركة الفواكه المتحدة. ففي قرارة قلبي اعرف ان ساعياً رحيماً لا يمكنه ان يعزي اولئك المحرومين الذين فقدوا البقرة او العجل او الخنزير، الكلب او الطفل، والذين يستبدلون تمردهم على الأرض بكيس من الذرة وقدرهم في الجنة مع علبة حليب مجفف