نصيحة "فتش عن المرأة" تكتسب هذا الاسبوع ثقلاً إضافياً باكتشاف الباحثين مسؤولية النساء عن انتشار البشر حول العالم. ويزعزع الاكتشاف الذي توصل إليه علماء الجينات صورة الرجال المستكشفين والغزاة الذين فتحوا المجاهيل. ويظهر من درس الجينات الموجودة داخل خلايا كل انسان أن النساء قطعن مسافات أبعد من الرجال وقمن برحلات أكثر منهم حول الكرة الأرضية. والجينات التي تمثل الشيفرة الكيماوية داخل خلايا الجسم، تحدد صفات كل انسان وتمثل أرشيفاً حياً يتضمن المعلومات الدقيقة عن أصله وتحركات أجداده عبر التاريخ كله. وتعتبر الجينات التي يتوارثها البشر أباً عن جد السجل التاريخي الذي يمكن عبره تتبع هجرات الأقوام والشعوب. وأظهرت القراءة الجديدة لهذا السجل أن معدل هجرات النساء حول العالم أكثر ثماني مرات من هجرات الرجال. ويقدم البحث الذي ينشر هذا الأسبوع في مجلة علوم الطبيعة الدولية "نيتشر" أول مقارنة لمكونات الجينات الخاصة بالذكورة والجينات التي يتم توارثها عبر الاناث فقط. وشملت الدراسة الميدانية التي أعدها باحثون من جامعتي هارفرد وستانفورد في الولاياتالمتحدة 54 مجموعة سكانية من القارات الست. وأثار الاكتشاف حيرة العلماء الذين توصلوا إليه، وذكروا أنه قد يعزز وجهة نظر أنصار المرأة، إذ يبرهن تفوقها على الرجال في كل شيء، حتى في التجوال حول العالم. ويعتقد أحد الباحثين أن غلبة النساء قد تعود الى تقاليد الزواج التي تضطر الرجال الى البحث عن النساء وأخذهن الى بلدان الهجرة. وفي تعليق على الاكتشاف نشر في مجلة العلوم البريطانية "نيوساينتست" رجّح الباحث ستيفن ستروغاتس من جامعة كورنيل في نيويورك أن تعدد الزوجات قد يكون سبب زيادة عدد النساء المهاجرات على الرجال. وربما لا تعود الزيادة في رأي العالم نفسه الى كثرة النساء اللواتي تجولن حول العالم، بل كثرة الجولات التي قامت بها كل امرأة بالمقارنة مع الرجال. واستند ستروغاتس في هذا التفسير الى نظرية "عامل العالم الصغير" التي ترى أن علاقات قليلة لمجموعة صغيرة متباعدة من الناس يمكن أن تؤدي الى صداقات بين أشخاص كثيرين لا تربط بينهم علاقات مباشرة. لكن العالم اعترف بعجزه عن تفسير لماذا تملك النساء علاقات أكثر من الرجال! ويضيف الاكتشاف الجديد تعقيداً جديداً الى نظرية "حواء الأفريقية" التي اعتمدت على دراسة المكونات الجينية المتوارثة عبر النساء فقط. وبيّنت النظرية التي تحظى حالياً بدعم معظم العلماء المختصين أن أصل البشر من أفريقيا ومنها انتقلوا الى شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وتظهر خريطة الزحف الانساني الكبير المنشورة في العدد الأخير من الطبعة العربية لمجلة "ساينتفيك أميركان" كيف انطلقت الموجات البشرية من المنطقة العربية باتجاه الشرق الى استراليا قبل 60 ألف سنة، وباتجاه الشمال نحو أوروبا قبل 40 ألف سنة، والى أميركا فيما بعد عبر مضيق بيرنغ بين روسياوالولاياتالمتحدة.