يلجأ أساتذة التعليم الرسمي في لبنان مرة جديدة إلى الإضراب وسيلة، ما زالوا يستخدمونها منذ عشرات السنين، ولا يعرفون غيرها للتعبير عن نقمتهم على أوضاعهم المعيشية. وبدأ أمس أكثر من خمسة آلاف وخمسمئة أستاذ ثانوي، 3500 منهم في الملاك ونحو ألفي متعاقد رقم جديد بعد إجراء وزارة التربية المزيد من التعاقد بسبب المناهج الجديدة إضراباً مفتوحاً "حتى إعادة الإعتبار إلى موقعهم" على خارطة سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام، معتبرين أن التحرك لا يهدف إلى تحقيق مطالب جديدة بل فقط "الحفاظ على حقوق مكتسبة". فالسلسلة ساوت بين راتب الإداري وراتب الأستاذ الثانوي 860 ألف ليرة حداً أدنى 573 دولاراً أميركياً وبالتالي أفقدت الأستاذ الثانوي حقه المكتسب في علاوة التعليم ونسبته 60 في المئة على الراتب وعلى تعويض نهاية خدمته أو معاشه التقاعدي، مما يعني أن الأستاذ خسر 300 ألف ليرة شهرياً معدلاً وسطاً وما بين 16 مليوناً و20 مليوناً على تعويض نهاية الخدمة، إضافة إلى اعتماد نسبة 85 في المئة من الراتب كاملاً في احتساب التعويض بعد 40 سنة خدمة بدلاً من نسبة مئة في المئة اعتباراً من السنة 35 خدمة و90 في المئة لما دون ال35 سنة. وجوه المعلمين هي نفسها في كل تحرك كأنها تكريس لزمن ولّى، في بياناتهم الصحافية يستدعون مراحل الحرب، فهم "ما انفكوا يعرضون أنفسهم لمختلف أنواع المخاطر خلال سنوات الحرب المجنونة في سبيل الحفاظ على الرسالة التي يحملون"، مثلما يستدعون القهر الذي بات لكثرة ما يحكون عنه مرادفاً لمهنة التعليم ويبقى التصميم على إظهار المعلمين جسماً متماسكاً من ثوابت البيانات "إذ أنهم في إعلانهم الإضراب المفتوح تجاوزوا كل الإعتبارات السياسية أو الطائفية أو الفئوية إلى المستوى النقابي المجرّد"، لكن هذه الوحدة هشّة باعترافهم، إذ "أن سياسة شرذمة وزرع خلافات، مورست في حق المعلمين ونجحت أكثر من مرة". ويعقد الأساتذة المضربون جمعيات عمومية اليوم وينفّذون غداً اعتصاماً في حرم وزارة التربية في إطار خطة تصعيدية للتحرك. ويوضح عضو رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب "أن الأساتذة تحركوا العام الماضي لتثبيت حقهم في تعويض نهاية الخدمة وأقرّت اللجان النيابية نسبة مئة في المئة و90 في المئة لراتب التقاعد، ووعدنا رئيس المجلس النيابي نبيه بري بأنه لن يتراجع عما أقرّ وأنه سيعمل على تحسينه، لكن الذي حصل أخيراً، أي إقرار نسبة 85 في المئة فقط، هو تراجع عما أقرّته اللجان وجاء نتيجة توافق سياسي وسط صمت تام في ساحة النجمة". ويعتقد غريب "أن ما يحصل يصب في خانة مصالح سياسية والإتجاه نحو المزيد من خصخصة القطاع العام". ويرى أن ذلك يتم "في ظل حركة حزبية مهمشة ومحاولات للإنقضاض على الحياة النقابية بين الحين والآخر لتوزيعها حصصاً في ما بينهم ولا يبقى للأساتذة من غطاء سوى أنفسهم وإمكان إنزال تلامذة الثانويات الذين يقدّر عددهم ب65 ألفاً إلى الشارع". وإذ يعترف بصعوبة مثل هذه الخطوة يقول "أن السكوت دليل موافقة، ومشكلة المعلمين عالقة منذ سنوات ولا علاقة للتحرك بالمرحلة الإنتقالية من عهد إلى آخر إلا بمقدار تسجيل موقف يحفظ حقنا في المرحلة المقبلة" ... كأن في ذلك تسجيل موقف في دفاتر العهد الآتي.