يشهد العالم اليوم مجموعة من الأحداث المهمة ستترك نتائج خطيرة في مستقبل العلاقات الدولية، وكذلك في تشكيل معالم خريطة العالم السياسية في الألفية الثالثة. أول هذه الاحداث الأزمة الروسية الداخلية اقتصادياً وسياسياً والتي تنذر بعواقب وخيمة. فكل الاحتمالات قائمة بالنسبة الى مستقبل هذا البلد، بدءاً من امكان عودة الشيوعيين الى السلطة أو حدوث انقلاب عسكري وانتهاءً بالحرب الاهلية وما قد تؤدي اليه من اختفاء الكيان السياسي الروسي القائم لتحل محله كيانات صغيرة أكثر إثارة للقلاقل واكثر تهديداً للاستقرار والأمن في هذه المنطقة الحساسة من العالم. وحدوث أي من هذه الاحتمالات، ستكون له تداعيات خطيرة، ليس في مستوى روسيا فحسب، وإنما في مستوى أوروبا وآسيا والعالم. وليس هذا الأمر بجديد أو غريب، فظهور الاتحاد السوفياتي السابق في مطلع القرن العشرين، كانت له اثار خطيرة على آسيا والعالم. ومن ثم فما يحدث في روسيا، وبحكم موقعها، تكون له دائما اثار ملموسة على العلاقات الدولية وعلى الخريطة السياسية للعالم. الحدث الثاني، والذي يحمل في طياته دلائل مهمة وخطيرة، يتمثل في سباق الصواريخ الذي تشهده القارة الآسيوية الآن. ومن أمثلة هذا السباق اطلاق كوريا الشمالية اخيراً صاروخاً بعيد المدى سقط في بحر اليابان، واستعدادها لإطلاق صاروخ آخر ذاتي الحركة وبعيد المدى. وهو الأمر الذي اثار قلق اليابان وكوريا الجنوبية والولاياتالمتحدة. والرسالة الكورية، خصوصاً الى اليابان وكوريا الجنوبية والولاياتالمتحدة واضحة، وتتلخص في ان كوريا الشمالية قادرة على اثارة قلق هذه الدول وتهديد مصالحها اذا ما تقاعست عن تقديم المعونات اليها في الوقت المناسب. بل ان احد التقارير الواردة من بيونغ يانغ اشار بصورة واضحة، الى ان هذا الاجراء جاء رداً على تقاعس الولاياتالمتحدة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه كوريا الشمالية، وفقاً للتسوية التي تمت بينهما في شأن استمرار الاخيرة في عضوية اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية، وقبولها إخضاع منشآتها النووية لتفتيش هيئة الطاقة الذرية. وبدلاً من ان تتجه الولاياتالمتحدةواليابان الى معالجة هادئة للموقف، اتجهتا الى فرض عقوبات اقتصادية على بيونغ يانغ، وهو ما لا يعالج اسباب المشكلة الحقيقية، خصوصاً أن كوريا الشمالية تعاني من متاعب اقتصادية حادة تصل الى حد المجاعة. وهي في الوقت نفسه مصدر من مصادر بيع السلاح المتطور رخيص الثمن. ومن ثم فإن البديل القائم امام القيادة الكورية الشمالية الآن هو التوسع في بيع السلاح وتكنولوجيا اسلحة الدمار الشامل لعلاج ازمتها الاقتصادية، وللضغط على الولاياتالمتحدةواليابان وكوريا الجنوبية لتقديم المساعدات اللازمة لها. ولا يقتصر الامر على كوريا الشمالية في مجال سباق الصواريخ في آسيا، بل ان الهند اعلنت انها ستطلق صاروخاً جديداً مطوراً يصل مداه الى ثلاثة آلاف كيلو متر. ووفقاً لتصريحات وزير الدفاع الهندي، فإن هذا الصاروخ قادر على حمل مواد نووية وغير نووية ذات طاقة تدميرية كبيرة. ويرى المسؤول الهندي نفسه ان هذا الصاروخ يؤمن الحدود الهندية مع الصين. ومن المتوقع ان يؤدي إطلاق هذا الصاروخ الهندي الجديد الى دخول باكستان في السباق من اجل إطلاق صاروخ مماثل. وهكذا تدخل القارة الاسيوية في دائرة سباق التسلح الصاروخي، وما تحمله من مخاطر وقلاقل وتهديد للأمن والاستقرار الاقليمي والعالمي. الحدث الثالث يتمثل في بروز موقف جديد لدول الجنوب تجاه النظام الاقتصادي العالمي القائم الآن. فقمتا عدم الانحياز وقادة اميركا اللاتينية، اللتان عقدتا في أيلول سبتمبر 1998، دعتا الى إعادة النظر في القواعد الاقتصادية العالمية القائمة الآن، والتي تحقق مصالح الدول الكبرى المتقدمة على حساب الدول الصغرى. بل ان البيان الصادر عن قمة قادة دول اميركا اللاتينية دعا الدول المتقدمة الغنية، الى اتخاذ الاجراءات المناسبة لإنقاذ اقتصاديات الدول الصغيرة، في ظل استمرار الازمة المالية والاقتصادية الآسيوية. وصندوق النقد الدولي حذّر الدول المتقدمة الفنية، في دراسة صدرت أخيراً، من استمرار تدهور الاوضاع في دول الجنوب، والاثار الخطيرة التي ستنجم عن ذلك، ودعاها الى تقديم المساعدات الاقتصادية الملائمة من اجل الحفاظ على قوة الاقتصاد العالمي ولتجنب حدوث تدهور مفاجئ تصيب اثاره السلبية الجميع. وأياً كانت طبيعة استجابة الدول المتقدمة الفنية لهذه النداءات، فمن المؤكد ان الاوضاع الاقتصادية في دول الجنوب في المستقبل ستكون عاملاً مؤثراً في تشكيل معالم العالم وخريطته السياسية الجديدة وعلاقاته الدولية المستقبلية. الحدث الرابع يتمثل في ازدياد ادراك العالم خطورة الارهاب الدولي، ومن ثم بدأ الحديث عن ضرورة وضع استراتيجية عالمية لمكافحة الارهاب، خصوصاً بعدما تبين للجميع خطورة الاثار الناتجة عن الاعمال الارهابية، وخطورة اتجاه دول عدة الى توظيف بعض العناصر الارهابية للضغط على دول أخرى. إلا أن الأمر البالغ الصعوبة الذي يواجه العالم هو الاتفاق على مفهوم الارهاب، لأن هناك خيطاً رفيعاً بين الارهاب وحق الشعوب في الدفاع عن نفسها في مواجهة ما قد تتعرض له من اعتداءات خارجية. ومن ثم فنجاح الجهود الدولية لتحديد مفهوم الإرهاب ووضع استراتيجية عالمية لمواجهته سيسهم، بلا شك، في تشكيل خريطة العالم السياسية. الحدث الخامس يتلخص في قبول الصين تكييف اوضاعها القانونية ونظامها القضائي وفقاً لما استقر عليه العرف الدولي في هذا الشأن. وقد استقبلت بكين بعثة الاممالمتحدة التي ستبحث في تطوير النظام القضائي والقانوني في الصين بما يتوافق والاوضاع الجديدة في العالم. وقيام الصين بهذا التطوير وقبولها بالأسس والأعراف الدولية في هذا الشأن، معناه زوال اهم عقبة تحول دون دخول هذا البلد الى منظمة التجارة العالمية. ومن ثم فدخول الصين المرتقب الى المنظمة من شأنه ان يمد قواعدها لتشمل العملاق الصيني بسكانه البالغ عددهم 1250 مليون نسمة، وبمنشآته الضخمة. * كاتب مصري.