يندر أن يفكر المتابع للسينما بملاحقة فيلم كوميدي والكتابة عنه. لكن مع فيلم "شيء خاص بميري" تأتي الدعاية المكثفة وإقبال الجمهور والمتابعات النقدية الكثيرة، لتخص هذا الفيلم باحتفاء شديد عبر عبارات مثل "أعظم أفلام الكوميديا في السنوات الأخيرة". كان هذا إذن اغراء كافياً لمشاهدة الفيلم، من اخراج الاخوين بيتر وبوبي فاريللي، صاحبا الفيلم الكوميدي الشهير "الغبي والأغبى، إضافة لذلك، فإن وجود اسم الممثل المتميز مات ديلون حافز آخر، خصوصاً أنه غير معروف بأداء أدوار الكوميديا. "شيء خاص بميري" يدور حول فتاة تدعى ميري يقع في حبها كل من يلتقيها، فهي شابة جميلة وجذابة، وناجحة كطبيبة لديها عيادتها الخاصة. تبدأ الحكاية بتيد - الممثل الكوميدي بن ستيللر - ابن السابعة عشرة، الشاب الخجول بأسنانه المشدودة بمعدن التقويم. تيد زميل ميري في المدرسة، معجب بها ولا يجرؤ على محادثتها. ذات مرة يدافع عن أخيها المتخلف عقلياً من تحرش شاب عدواني، فتكافئه ميري بأن تطلب منه أن يصحبها إلى حفل نهاية العام. عندما يصل إلى منزل أسرتها في الموعد المحدد ويصدف أن يدخل إلى الحمام، يصاب بحادث وينقل إلى المستشفى. بعد الحادث بشهور تنتقل أسرة ميري إلى مدينة ميامي، وتنقطع أخبارها عن تيد. تمر اثنتا عشرة سنة، ولا يزال تيد يهجس بميري ويحلم بتكوين أسرة، لكن حبه لها يمنعه من الارتباط بأخرى. ينصحه رفيق الدراسة دوم باستئجار محقق خاص للبحث عن تلك الفتاة في ميامي. من هنا تبدأ سلسلة العشاق والمتيمين تتهاوى على ميري. المحقق هيلي - يقوم بدوره مات ديلون - يقع في حبها أثناء تجسسه عليها، فيعود لتيد بأخبار كاذبة عن ميري التي زاد وزنها وصار لديها أربعة أطفال. ثم يقرر أن ينتقل إلى ميامي ليتحين فرصة لقائها والتعرف عليها. لكنه نصاب، يكذب عليها بادعاءات من مثل أنه مهندس معماري. تشعر ميري بالميل نحوه وهي سعيدة جداً، قبل أن يكشف لها صديقها تكر - الممثل البريطاني لي ايفانز - أن هيلي مطلوب لأكثر من جريمة قبل سنوات. لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد. لم يقدم الفيلم سيناريو منطقي، بل فانتازيا من المبالغات المضحكة التي تفترض وقوع أي حدث، أو تحول سمات الشخصيات من دون تبرير مقنع، مع أن كتابة الفيلم كانت مشتركة بين المخرجين واثنين من كتاب السيناريو! إلا أن هذا الاسلوب كان مقصوداً، وينجح الفيلم في تقديم مبالغة كوميدية، من خلال ماكياج الممثلين وملابسهم. هيلي مثلاً، يذكر بأبطال الأفلام الايطالية، سروال من قماش مقلم بالطول والعرض، والحذاء باللونين الأسود والأبيض، إضافة للشارب الرفيع. هيلي، يتجسس على ميري بأجهزة متطورة، تجعله يرابط قرب البيت فيستمع لحديثها مع ماغدا، ويتصرف على ضوء تلك المعلومات، فيبدو في مظهر الشاب الذكي اللماح. وماغدا مثلاً - الممثلة لين شاي - الأرملة جارة ميري، ذات بشرة داكنة وجلد "مكرمش"، بسبب كثرة تعرضها للشمس، مهووسة بكلبها وتقضي وقتها بالتنصت على مكالمات الجيران من خلال راديو خاص، فتضبط مكالمة لهيلي تفضح حقيقته. لامنطقية السيناريو انقذت بأداء الممثلين بشكل عام، وقد احتشد بهم الفيلم، وبعضهم ظهر لمرة واحدة فقط، إلا أن هذا الرأي لا ينطبق على كاميرون دياز، البطلة الرئيسية ميري، لم تكن هذه الممثلة سوى فتاة حلوة تياهة بالمعجبين الكثر من حولها، دياز بالأساس عارضة أزياء وموديل لبعض المجلات، قبل أن تأتيها الفرصة من خلال الفيلم الكوميدي "القناع" 1994، لتعتبرها الأوساط الفنية بعد ذلك إحدى نجمات المستقبل! أما الممثل البريطاني لي ايفانز فقد كان وجوده مجرد حشد لمجموعة ممثلين في الفيلم. ايفانز، مشهور من خلال العروض الكوميدية بتحكمه بعضلات وجهه وأطراف جسده، من هنا اشتهر بأدائه الكوميدي الذي يضحك الجمهور. وقد قدم له المخرجان دوراً بصفته مهندساً معمارياً. ويعتمد على عكازتين في سيره. لم يتطلب أداؤه الجسدي الشهير أكثر من دقيقتين، وقعت خلالها مفاتيحه، فحاول أن يلتقطها وهو في هذه الحالة. على كل حال تكتشف ميري ان شلل صديقها مفتعل ليثير عطفها عليه، فهو واحد من المعجبين بها أيضاً. في المشاهد التالية، وبعد أن يتخلص من العكازتين، يصبح أداؤه عادياً، بل يضيع تميز ايفانز وسط الممثلين الآخرين. من ناحية أخرى، تجدر الاشارة إلى الأداء المتميز للممثل مات ديلون في دور هيلي النصاب. لقد توقع المخرجان فاريللي ان وجود ممثل جيد وغير كوميدي سيشكل تحدياً للممثلين الآخرين، بشكل خاص البطل الرئيسي بن ستيللر، وهو مخرج وكاتب سيناريو كوميدي في الوقت نفسه، وقد أدى دور تيد كمراهق، أفضل من دوره بعد سنوات. بعد أن يصل الفيلم في نهايته إلى أن الجميع يتزاحم على قلب ميري، بمن فيهم صديق تيد المتزوج، تكتشف ميري ان جميع الرجال خدعوها بشكل أو بآخر، بمن فيهم تيد، الذي استأجر شخصاً ليتجسس عليها. ينسحب تيد من حياتها بنبل، بعد أن يستدعي المدرب الرياضي المعجب بميري لأنه هو الذي يستحقها. لكن ميري تلحق به مقتنعة باخلاص مشاعره تجاهها. هل يستحق الفيلم كل هذه الضجة؟ يمكن للمشاهد أن يحضر الفيلم وفي ذهنه أنه سيضحك فقط لا غير. لا منطق لأي شيء، فليم يشبه أفلام الصور المتحركة، فيه يحترق الكلب، ثم يعود للحياة برشة ماء... لا منطق درامياً في الفيلم، لكن هل يحتاج الضحك حقاً للمنطق؟