يدافع الملاكم البريطاني، اليمني الأصل، نسيم حامد 24 عاماً في نهاية الشهر الحالي عن لقبه بطلاً للعالم لوزن الريشة ضد الأميركي واين ماكولو. الكلام، فنياً، عن نسيم طويل جداً، ومع كل مباراة يخوضها يسأل الجميع: من أين أتى هذا العملاق القصير؟ من يلتقي ، نسيم حامد، ينتابه شعور بالإرتباك! هذا الذي يستيقظ الوحش في داخله عندما يعتلي حلبات الملاكمة ويجتاحه الغرور عندما ينظر الى منافسيه نظرة ضحايا وجدت فقط حتى يقضي عليها، هو خارج الحلبات شاب دمث الأخلاق وحسن السلوك وسلس المعاملة. ويفسر البطل العربي سلوكه الهمجي عندما يضع القفازات بأنه "إنعكاس طبيعي لرياضة قاسية وضارية" جعلت منه بطلاً للعالم مع سجل يتضمن 30 إنتصاراً وخالٍ من الخسارة. ويعتقد مراقبون كثيرون أنه أفضل ما انتجته الملاكمة البريطانية في تاريخا وفي كافة إوزانها... قبضة حديدية وأداء فريد ومرونة غير عادية وقفزة فوق الحبال كإعلان عن دخول الحلبة ورقص مستمر على إيقاع موسيقى صاخبة تثير الحضور كما تثير الخصوم مع حب غير عادي لإمتاع الجمهور. ولم تكن الصدفة وراء سطوع نجم هذا النجم وشهرته الواسعة. وعندما يُسأل عن سر موهبته وقوته ونجاحه يجيب دائما ً أنها "نعمة من الله"... أما إذا سئل عن مثله الأعلى في رياضته، فلا يقول محمد علي أو شوغر راي ليونارد حسب ما يتوقع الجميع وإنما "إنه والدي سالم". ووالده بالذات هو الذي زرع فيه روح التحدي والإصرار والعزيمة. شخصية صلبة ولد سالم حامد عام 1932 في عدن لأبوين فلاحين، وقرر الهجرة الى انكلترا عندما كانت اليمن تحت الاحتلال البريطاني أواخر الخمسينات وذلك للبحث عن فرص عمل أوسع وبهدف تأمين لقمة العيش لعائلته الصغيرة. بدأ العمل في مصانع الحديد والصلب بمدينة برمنغهام وسط انكلترا ثم في مدينة ميدلزبره الشمالية وأخيراً مدينة شيفيلد حيث استقر اربع سنوات ابتاع خلالها محلاً للبقالة ما لبث أن باعه وقرر العودة الى اليمن بعد تجربة ذاق خلاها مرارة الغربة وعانى من الجهل باللغة وشيء من العنصرية. وبرزت شخصية سالم الصلبة عندما قرر العودة من جديد الى شيفيلد ومواجهة الصعاب والعمل الشاق في منتصف الستينات حين التحق بمعامل الحديد والصلب في المدينة ومكث فيها الى أن جمع مبلغاً كافياً من المال ليؤمن شراء متجر للمأكولات تعلوه شقة تأويه وعائلته لسنوات قادمة. وكانت تجارب سالم المريرة مع الغربة كفيلة بزرع بعض المباديء والقيم في نفوس ابنائه لا سيما نسيم الذي كان يقدّر كثيراً شقاء والدته من أجل تأمين الطعام والكساء لتسعة أولاد. وساهم الأبناء في استمرارية نجاح المتجر، وكانوا يتناوبون على العمل يومياً مع والدهم من السادسة صباحاً الى التاسعة مساءً لضمان الحصول على المدخول الكافي، ولم يهمل سالم تعليم ابنائه اللغة العربية. الملاكمة حاجة من جانبه، بدأ نسيم قصته مع الملاكمة عندما كان شقيقاه رياث ونبيل، وهما أكبر منه سناً، من مضايقات زملائهم في المدرسة. وبسبب ميل بشرتهم الى السمرة كان أبناء سالم عرضت لمضايقات عدد من العنصريين الأمر الذي دفعه الى ضمهم الى المركز الرياضي المجاور ليمارسوا رياضة الملاكمة ويدافعوا عن انفسهم ويزيدوا ثقتهم بأنفسهم. ودخل نسيم عالم هذه الرياضة في سن السابعة. ومع أن شقيقه نبيل زاول معه الملاكمة ثماني سنوات خاض خلالها 17 مباراة في الوزن الوزن المتوسط ضمن بطولات الهواة، فإنه هجرها وبقي نسيم وحده في الساحة واستمر في صعود سلم التصنيف العالمي. ويقم رياث 29 عاماً حالياً بإدارة أعمال نسيم وعقد الصفقات وإبرام العقود في حين يهتم نبيل بالرد على رسائل المعجبين وأنصار شقيقه من خلال العمل في ناد يحمل إسم نسيم بالذات كما يهتم بالعروض التجارية خارج الحلبات. وبفضل النجاح الساحق ل"الامير" نسيم، راح يعيش حياة الأبطال، وكان يملك أسطولاً من السيارات لانه اعتبر ذلك تحقيقاً لأمنية من أمنيات الطفولة وعندما أعلن عن بيع هذه السيارات كانت تيلك إشارة الى تحوله من مراهق الى رجل وتزوج من صديقته إيليشا التي أشهرت إسلامها قبل الزواج. وقد وصف عملية إنجاب طفله التي شاهدها شخصياً بأنها أجمل لحظة في حياته، متمنياً أن يكون إبنه موهوباً في ميدان آخر غير الملاكمة.