غرابة الاطوار مفيدة للصحة، وتجعل الانسان أكثر سعادة، وقد تمكنه من العيش عمراً أطول. تلك هي خلاصة دراسة مفصلة أجراها الدكتور ديفيد ويكس واستغرقت عشر سنين ونشر نتائجها في كتاب عن الموضوع. يمكن تعريف غريب الأطوار، أو "الشاذ"، بأنه ذلك الذي يتصرف بطريقة غير عادية من دون أن يعاني من أمراض عقلية. من النماذج، مثلاً، تلك المرأة التي ملأت حديقة بيتها في الريف البريطاني بما يزيد على سبعة آلاف تمثال أقزام خرافية، أو جوشوا نورتون الذي نصّب نفسه أمبراطوراً على أميركا في إعلان نشره في الصحف عام 1853، أو ذلك الرجل الذي يمشي في الطريق وهو ينقص على عقبيه، اي يسير الى وراء. يقول ويكس، وهو طبيب في مستشفى ادنبره، أن علماء النفس لم يهتموا أبداً بغرباء الاطوار، ويؤكد ان هؤلاء يتمتعون عادة بذكاء حاد، وتستحوذ عليهم الرغبة في الابداع بطرق خارجة على المألوف، ثم يعطي أمثلة من التاريخ: وليام بليك، غراهام بيل، شارلي شابلن، وحتى آينشتاين... ووجد ويكس في دراسته التي شملت أكثر من 1500 شخص أن غريبي الاطوار ينتشرون بكثرة في بريطانيا وهولندا، ربما بسبب النظام الاجتماعي السائد فيهما، الذي يمنع الناس من التعبير عن أنفسهم، في حين أدت الجدية والشعور الشديد بالتكيّف الى جعلهم اقلية في ألمانيا. يتجه عدد كبير من غريبي الاطوار الى التعبير عن أنفسهم في الفن، والاختراع، والدراسات الاكاديمية. من هؤلاء بيكاسو، دالي، لورانس العرب، جيمس جويس، وهنري فورد. واذ يركز الكاتب على حياة هيوارد هيوز الذي عاش الفترة الأخيرة من حياته منعزلاً بعيداً عن الانظار، يخاطب أعوانه عن طريق الرسائل، فإنه يلجأ الى عدد من المفكرين وعلماء النفس لتفسير غرابة التصرفات. ورأى سيغموند فرويد أن "الشواذ" المبدعين يستمتعون ب "التحرر من الضغط"، أي أن إزالة التحكم الفكري موقتاً تساعد في إطلاق حرية العقل الباطن، بينما اعتبر هنري جيمس أن "لكل إنسان ذوات اجتماعية تعادل عدد الناس الذين يعرفونه" لتحديد الطرق التي يتعامل بها غريبو الأطوار مع العالم. وما هو غريب في مجتمع يبدو عادياً في مجتمع آخر. هناك مخترع يصنع سيارات صغيرة ذات مقعد واحد ولا يستخدم في صنعها إلا قطع الغيار. وجعل أحد البريطانيين ضيعته مقصداً للناس العاديين، اذ اعتاد الوقوف كل صباح فوق سطح بيته لالقاء خطبة على خرفان الضيعة. ويستخلص الباحث أن السلوك العادي ربما يكون أحد أسباب الضغوط التي يعاني منها الناس في المجتمع. وقد يكونون أكثر سعادة إذا عبروا عن غرابتهم من حين لآخر