هل بإمكان أحد أن يحصي عدد المهرجانات السينمائية المقامة في طول العالم وعرضه، منذ بدايات هذا العام؟ احصاؤها صعب إن لم يكن مستحيلاً. وأهم ما جدّ فيها خلال السنوات الأخيرة هو ذلك الحضور الكبير والكثيف للسينما العربية، أفلاماً ومخرجين ونقاداً ونجوماً. فمنذ زمن، لا يكاد مهرجان يخلو من فيلم عربي. وصار الأمر من العادية بحيث أننا إذا ما عرض في مهرجان كبير مثل "كان" فيلم واحد أو فيلمان عربيان لا أكثر، نتساءل حول السبب الذي يجعل العدد قليلاً إلى هذا الحد. عروض الأفلام العربية في مهرجانات العالم، ناهيك عن مهرجاناتنا القومية والمحلية، صار جزءاً مكرساً من زمن السينما، لا مجرد أمر "اكزوتيكي" وحسب، كما كان الحال في الخمسينات والستينات أو أمر ينبع من تضامن أبوي مع قضايانا، كما كان يحدث في السنوات السبيعينية والثمانينية. مرد ذلك، بالطبع، هو أن جزءاً لا يستهان به من السينما العربية، اثبت حضوره الفني، وصار بعضه يضاهي انتاجات عالمية كانت تعتبر استثنائية ولا تضاهى. كل هذا من شأنه ان يثير الفرح والرضا، لدى كل محب للسينما العربية، سواء كان من أبناء المهنة، أم من متابعيها الهواة المعجبين. غير أنه، بالتناقض مع هذا الحضور، تلاحظ ان عدد الأفلام العربية المنتجة، والتي تستحق ان تكون "زبونة" دائمة في المهرجانات، يتضاءل، وبشكل مريع. ولا نريد بهذا أن نتحدث بالطبع، عن تضاؤل عدد الأفلام المنتجة، بالأساس، سواء كانت ذات قيمة فنية معترف بها، أم لم تكن. ما يهمنا في هذا السياق، هو فقط تلك الأفلام المميزة التي يصنعها أناس مميزون، والتي جعلت للسينما العربية مكانة متقدمة على خارطة السينما العربية، وهو الأمر الذي وصل إلى ذروته مع استاذنا يوسف شاهين وفيلمه "المصير" الذي حقق من النجاح العالمي ما لم يسبقه إليه أي فيلم لأي سينمائي عربي آخر، وجعل شاهين يتوج في "خمسينية" كان للعام الفائت. يتضاءل عدد الأفلام الجيدة، إلى درجة باتت معها الأفلام نفسها تدور من مهرجان إلى آخر. خذوا مثلاً "بيروت الغربية" أو "عرق البلح" أو "مكتوب" أو "الجزائر/ بيروت: الذاكرة"... لقد جال كل واحد من هذه الأفلام على مهرجانات عدة، وبعضها نال جوائز كثيرة. وأكثرها لم يعرض في البلد الذي انتجه، ولا من على شاشات التلفزة المحلية أو الفضائية التي تعجز، في أيامنا هذه، عن العثور على جديد تعرضه، لكنها مع ذلك تعرض عن أمثال تلك الأفلام لأن المنظور التقليدي يقول إن افلام المهرجانات، مهما بلغت شهرتها وجودتها، لا تصلح للجمهور العريض، غير أن هذه حكاية أخرى ليس هنا مكانها. طبعاً لسنا ندعي هنا اننا نورد تشخيصاً متكاملاً لداء نلحظه. لكننا نلاحظ كيف ان الأفلام المتجولة بين المهرجانات، يكثر الحديث في الصحف عنها - إخباراً لا تحليلاً بالطبع - ويكثر نشر صورها، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى التعود عليها وعلى... غيابها، عن جمهورها المحلي أو القومي، الذي يجدر به، أصلاً، ان يكون جمهورها الأول والحقيقي. فإذا ما تجاوزنا هذا الواقع سنلاحظ ان معظم أصحاب أفلام المهرجانات يعجزون "بسبب سمعتهم السيئة" هذه، لدى المنتجين والموزعين، عن العثور على امكانات تتيح لهم ان ينتقلوا من مستوى الفيلم الأول أو الثاني إلى ما بعده. ولو حللت الأمور تحليلاً منطقياً متكاملاً، قد نجد للمنتج وللموزع العذر في ذلك الاستنكاف عن "النهوض بصناعة السينما الجيدة"، في ظل أوضاع عامة تفرض حضوره السيئ الجماهيري على حساب "الجيد النخبوي"، وتجعل هذا التقسيم الأخير وكأنه قدر لا مهرب منه! المهم، إذاً، من المسؤول عن هذا؟ وإذا كانت هناك شكوى لمن يجب أن توجه؟ لم نعد ندري تماماً، لكن بإمكاننا ان نورد ملاحظتين، لسنا واثقين تماماً، ان بإمكانهما ايصال الأمور إلى نهاية منطقية مرتجاة: أولاهما: أن أحسن ما انتج في مصر، خلال سنوات الستين، كان بتمويل قطاع عام تمكن على الرغم من مساوئه كلها ان يجعل السينما الجيدة في مصر تاريخاً. وثانيتهما: ان أفضل ما ينتج في سينمانا العربية، على اختلاف الأقطار والحساسيات، ينتج بدعم مباشر أو غير مباشر من الخارج، من فرنسا خصوصاً ومن غيرها. وبعد هذا، سنظل نفرح لأن حضورنا في مهرجانات العالم كبير، ونحزن لأن هذا الحضور الكبير يتم دائماً، عبر الأفلام نفسها.