"أغنية غير مكتملة"... عنوان الأمسية التي نشرت اعلاناتها في الصحافة البريطانية. إنها دعوة للمشاركة في الحفل الذي اقيم في السادس من أيلول سبتمبر الماضي في قاعة "رويال فستيفال هول"، إحياء لذكرى المغني والشاعر التشيلي فيكتور جارا، الذي قتل على أيدي نظام الديكتاتور بينوشيه في السبعينات، بعد انقلاب عسكري على الرئيس إليندي العام 1973. بدأ الاعلان مثيراً للاستغراب. هل ما زال هناك من يتذكر هؤلاء البشر وتلك الأحداث؟ هل ما زال الناس يجدون فسحة للاحتفاء بمغن اغتيل في تشيلي قبل ربع قرن تقريباً؟... كنا نظن ان خيمة العولمة غطت على الذاكرة الجمعية للبشرية، وما عاد الأفراد يهجسون سوى بالمذاق الأميركي الرأسمالي! الأغرب من كل ذلك، ان الممثلة البريطانية الشهيرة إيما تومسون تعد سيناريو فيلم عن جارا. إيما تومسون، الحاصلة على أوسكارين قبل الآن، أحدهما عن دورها في فيلم "هاوردز إند" والآخر حصلت عليه قبل سنتين ككاتبة سيناريو لفيلم "عقل وعاطفة" عن رواية لجين اوستن. لكن السيناريو هذه المرة ليس مجرد تحويل رواية إلى فيلم سينمائي، بل سيناريو مستقل، اعتمدت فيه إلى حد ما على سيرة شخصية لفيكتور جارا، كتبتها زوجته البريطانية جوان، وأصدرتها العام 1983 بعنوان "فيكتور - أغنية غير منتهية"، إضافة للسيناريو، ستقوم تومسون بدور الزوجة. يحكي الفيلم قصة الحب التي قامت بين راقصة الاستعراض الانكليزية، التي سافرت للعمل في تشيلي، وبين واحد من أعظم أبطال الأغنية الشعبية، قصة حب عميقة دامت خمس عشرة سنة، انتهت بسبب بربرية النظام العسكري، التي قاومها جارا بالشعر والموسيقى. "لا أريد أن أحكي قصة عاطفية بشكل سطحي، وإنما عن حقيقة الحب" تقول إيما تومسون لمحرر "الصنداي تايمز"، وتضيف: "إنها حكاية حب بين شخصين من خلفيتين ثقافيتين واجتماعيتين مختلفتين، عاشا في الستينات في تشيلي، مكان العبقرية والابداع غير العاديين". تريد تومسون في فيلمها أن تعمم تجربة القمع التي عاشها ذلك البلد، ليس بالضرورة حرفياً، وبالطريقة نفسها، "لكن على الناس أن تدرك أننا لن نستطيع سلخ أنفسنا تماماً عن التجربة". تريد أن تكتب سيناريو فيلم يبدأ بالانكليزية وينتهي باللغة التشيلية، من دون ان ينتبه المتفرج لظهور الكتابة على الشاشة، "أريد أن أفعلها بطريقة لا يشعر معها الجمهور أنه يشاهد فيلماً أجنبياً". لن يحصد الملايين لم تبع السيناريو لأي جهة بعد، لكن هناك منتجين في هوليوود ينتظرون انتهاءها منه بفارغ الصبر. وهو ليس بالفيلم الذي سيحصد الملايين. إلا أن إيما تومسون تملك الثقة الشديدة بنفسها لتقول: "لست محسوبة على شباك التذاكر في أميركا، إنما أنا ممثلة بريطانية لها شعبيتها هناك". لقد حصلت على مليوني دولار عن فيلمها الأخير "ألوان أولية" الذي تقاسمت بطولته مع جون ترافولتا، ويحكي قصة رئيس أميركي يحاول مساعدوه أن يغطوا على فضائحه الجنسية، لأنهم مقتنعون بسياساته الاصلاحية. لم يحقق الفيلم نجاحاً تجارياً كبيراً في أميركا "ربما رفضه كثير من الأميركيين، لأن لديهم تصوراً خيالياً عن آلهة نظامهم السياسي. لقد كتب الفيلم وانجز قبل أن يسمع أحد بمونيكا لوينسكي". تقول. ثم تؤكد أنها لن تكون يوماً ما لاعبة في ساحة هوليوود، ولا تفضل لنفسها هذا الدور أساساً. "لوس انجليس جميلة، شرط أن تكون متأكداً انك ستغادرها قريباً"! تريد إيما تومسون ان تتفرغ لكتابة مجموعة من السيناريوهات وقليل من التمثيل. "ومستقبلاً قد لا أتحرك من هذا البيت"، تشير بكلامها للبيت الذي تسكنه، في ذات الشارع الذي عاشت فيه طفولتها شمال مدينة لندن. وتسكن في الشارع نفسه والدتها الممثلة فيلدا لاو، والضلع الثالث للعائلة، شقيقتها صوفي، المرأتان اللتان ترتبط معهما بصداقة قوية منذ وفاة والدها المبكرة، وكانت في بداية عشريناتها. معروف عن الممثلة ايما تومسون أنها ممثلة خجولة، لا تحب الحديث عن حياتها الخاصة، وتفضل أن تتركز الحوارات حول أعمالها، كموضوع الإعداد لسيناريو جارا، مما يوقعها بإشكالات مع الصحافيين التافهين في بريطانيا، فهي ممثلة، وينتظرون منها أن تتدفق بالمجاملات والخداع والدعاية لنفسها، كما يفعل كثيرون غيرها. لكنها ستبقى مستقلة عن نظرتهم لها، وستستمر في التعبير عن آرائها السياسية، أياً كانت تعليقاتهم حال سماعهم بمواقفها حول تشيلي أو حرب الخليج. إنه من حقها كممثلة ان تعبر عن مواقفها، لكنهم لا يصدقون جديتها في هذا المجال. عندما تزوجت الممثل والمخرج البريطاني كين براناه، توقع هؤلاء ان علاقتهما ستكون حياة مليئة بالصخب والحفلات، غاضين النظر عن حقيقة أنهما أحبا بعضهما البعض، ورغبا ان يعملا في مشاريع مشتركة. وربما كان أحد أسباب فشل العلاقة أنهما دفعا باتجاه لم يريداه أساساً! لقد لاحقتها الصحافة الشعبية طويلاً، ليهولها ان الفتاة اللندنية لا تملك سيارة، وأنها غالباً ما تتنقل بالقطارات اختصاراً للوقت ولطاقتها! وماذا عن علاقتها مع النقاد...؟ قبل الأوسكار الأخير انتقد البعض المسلسل الكوميدي الذي كتبته، ولكن الحقيقة "ما كنت لأحصل على فرصة كتابة ذلك السيناريو، في الثالثة صباحاً، في لوس انجليس، لولا ان المنتجة ليندسي دوران شاهدت حلقة من ذلك العمل، الذي يركز على شخصية امرأة من العصر الفيكتوري". إيما تومسون ممثلة جادة، تريد أن تحيا حياتها كإمرأة عادية، لا كنجمة شهرة وضجيج. فرحة بانجازاتها الأخيرة، وبانشغالها على نص فيكتور جارا. ربما أنها انكليزية تقليدية، تشبه بطلات جين اوستن من الفتيات الانجليزيات، ممن يزددن عمراً وحكمة مع السنين!