للمرة الأولى منذ تسعة عشر شهراً، يبدأ الفلسطينيون والاسرائيليون، بتدخل أميركي مباشر، في محادثات مكثفة للتوصل الى اتفاق يضمن تنفيذ المرحلة الثانية من إعادة انتشار الجيش الاسرائيلي في مزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وسط أجواء من الترقب الحذر المشبع بالتشاؤم لدى كلا الجانبين. وان كانت الولاياتالمتحدة، وعلى لسان وزيرة خارجيتها مادلين اولبرايت، تأمل بأن يتمكن الطرفان من التوصل الى اتفاق في غضون أربعة أيام تتوج الاثنين المقبل بمراسم احتفالية في البيت الأبيض، فإن القائمة الطويلة من ملفات القضايا العالقة التي ستطرح على مائدة مفاوضات واي بلانتيشن تجعل من الصعب تحقيق هذه المهمة على رغم حفاوة الاستقبال التي حظي بها الرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نانياهو في البيت الأبيض. ويجمع الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي على أن أياً من القضايا المطروحة لم يتم تسويته بما في ذلك استحقاقات اتفاقات أوسلو التي كان من المفترض أن تنفذ قبل نحو عامين مثل الميناء والمطار والممر الآمن واطلاق الأسرى. ففي مسألة إعادة الانتشار، وافق نتانياهو على أن ينسحب الجيش الاسرائيلي مما نسبته 13 في المئة في اراضي الضفة، على أن تبقى ثلاثة في المئة منها تحت السيطرة الأمنية الاسرائيلية المطلقة، إلا أنه لا يزال يرفض إعادة 14 في المئة من الأراضي الفلسطينية المصنفة ب التي تخضع في الوقت الحالي لإدارة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية اسرائيلية طبقاً لما ورد في المبادرة الأميركية. وفي ما يخص مذكرة التفاهم الأمني الفلسطيني - الاسرائيلي والتي اعلنت مصادر أميركية ان الاتفاق في شأنها "شبه وشيك"، يصر الفلسطينيون على التعامل بالمثل وتطبيق بنودها على المستوطنين ونشاطاتهم المعادية للفلسطينيين، وهذا ما يرفضه نتانياهو. وترى واشنطن ان الاتفاق على تقليص عدد أفراد الشرطة الفلسطينية من 36 ألف شرطي الى 24 ألفاً حسب مطالب اسرائيل وجمع الأسلحة من الفلسطينيين المتطرفين يمكن تسويته في هذه المحادثات. اما في ما يتعلق بتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني فإن نتانياهو وافق على اقتراح أميركي بأن يتم تعديله من جانب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الوقت الراهن، بينما يصر الفلسطينيون على أن الميثاق جرى تعديله في وقت مضى ولا توجد حاجة لتعديله مجدداً. ويرفض نتانياهو أن تتجاوز نسبة الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية في المرحلة الثالثة والأخيرة واحداً في المئة، بينما يطالب الفلسطينيون بانسحاب أوسع. واقترح الأميركيون تشكيل لجنة ثلاثية مشتركة تبحث في هذا الموضوع مرة في الأسبوع، أي تأجيل البت فيه خلافاً لما ورد في المبادرة التي نصت على تحديد نسبة الانسحاب الثالثة قبل الشروع في مفاوضات التسوية النهائية. وتطالب اسرائيل بوقف أعمال تطوير ميناء غزة "لأسباب أمنية" فيما ينص الاقتراح الأميركي على البحث في هذه المسألة التي كان من المفترض أن تنفذ قبل أشهر في اطار التسوية النهائية. والاقتراح ذاته عرض في مسألة الممر الآمن الذي تطالب اسرائيل بأن يقتصر السير فيه على القطارات والباصات، بينما يطالب الفلسطينيون ببناء جسر فوقي يسمح بمرور السيارات الخاصة أيضاً. وترفض اسرائيل اطلاق المسنين والمرضى والأطفال من بين الأسرى الفلسطينيين قبل التوقيع على المذكرة الأمنية. ومع كل هذه الخلافات التي اعلنت اولبرايت عشية بدء المحادثات وجود اقتراحات أميركية في شأنها، تضاف مشاركة الوزير الاسرائيلي الأكثر تطرفاً ارييل شارون بصفته وزيراً للخارجية والمسؤول الأول عن المفاوضات مع الفلسطينيين بما في ذلك مفاوضات التسوية النهائية، إذ أعربت مصادر في حزب العمل الاسرائيلي المعارض عن ثقتها بأنه سيعرقل تنفيذ الاتفاق ان ابرم ان عاجلاً أو آجلاً، فالاتفاق برمته كما ردد رئيس الوزراء الاسرائيلي مراراً مرهون بما يسميه بالتبادلية المرحلية، أي ان اسرائيل لن تنفذ أياً من بنوده قبل ان تراقب سلوك السلطة الفلسطينية ضد "حركة المقاومة الاسلامية" حماس. وعلى الرغم من اعلان حزب العمل عن تأييده لأي اتفاق يمكن أن ينبثق عن محادثات واي بلانتيشن، إلا أنه يشكك في مكان تنفيذ الحكومة الاسرائيلية هذا الاتفاق. ولهذا تصر السلطة الفلسطينية وعلى لسان نبيل أبو ردينة مستشار الرئيس ياسر عرفات على ضرورة وجود ضمانات أميركية لتنفيذ الاتفاق. ويقول الاسرائيليون ان نتانياهو نفسه لا يعلم حتى الآن ما الذي سيصنعه في هذه المحادثات. وأشار محلل سياسي اسرائيلي الى أن نتانياهو قد يسعى الى ان يفشل المفاوضات وان يلقي اللوم على شارون لتهدئة اليمين المتطرف. الذي ينتظر عودته من الولاياتالمتحدة للاطاحة به، كما قال رئيس جبهة "أرض اسرائيل" في الكنيست البرلمان الاسرائيلي ميخائيل كلاينر الذي ودع نتانياهو و2500 من مسانديه بتظاهرة توعدية أمام منزله في القدس. أما الفلسطينيون أنفسهم، فاظهر استطلاع للرأي ان غالبيتهم متشائمة ولا تعوّل على نتائج محادثات واي بلانتيشن وترى فيها محاولة من الرئيس بيل كلينتون لاظهار نفسه كرجل سياسة قادر بعد سلسلة الفضائح التي ألمت به