ضمن سلسلة "التراث" احدى سلاسل مشروع "مكتبة الأسرة"، الذي ترعاه السيدة سوزان مبارك وتنفذه الهيئة المصرية العامة للكتاب، صدرت قبل أسابيع- في ثلاثة كتب منفصلة- مختارات من ثلاثة أعمال تعتبر من عيون التراث العربي والاسلامي، هي: "مقدمة ابن خلدون"، و"الخطط المقريزية"، و"النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة". وتولى إعداد هذه المختارات للنشر كل من الدكتور سمير سرحان والدكتور محمد عناني، وصمم أغلفة الكتب الثلاثة الفنان المبدع جمال قطب، وكانت "مكتبة الأسرة" قدمت العام الماضي مقتطفات من مقدمة ابن خلدون اقتصرت على ما اسماه المؤلف بالمقدمة العامة، وهي فصول نظرية في علم التاريخ صارت أسساً للبحث التاريخي وعلم الاجتماع الحديث. واختيرت تلك المقتطفات لتبرز تركيز ابن خلدون على ما اعتبره من اسس التفكير العلمي في قراءة التاريخ ومعناه واسلوب الحكم على الروايات وتفسيرها، والذي لايزال اساساً لمبحث التاريخ في العصر الحديث. وتضمنت المختارات الجديدة فصولاً أخرى من مقدمة ابن خلدون تتناول مااستخلصه هذا العالم الفذ من دراسته للتاريخ القريب عبر امثلة من الوقائع التي كان قريب العهد بها في شمال افريقيا والاندلس، تشتمل على نقاش بأسلوب يكاد يكون معاصراً حسب تصوير سمير سرحان ومحمد العناني للكتاب. وتغطي تلك المختارات 27 فصلاً من فصول المقدمة، منها فصل "في أن كل دولة لها حصة من الممالك والأوطان لا تزيد عليها"، وفصل "في أن الأوطان كثيرة القبائل قل أن تستحكم فيها دولة"، وأربعة فصول في "طبيعة الملك"، وكذلك فصل "في ان الظلم مؤذن بخراب العمران". ويفتتح ابن خلدون هذا الفصل الاخير بالقول "إعلم إن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتها بها من ايديهم. واذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت ايديهم عن السعي في ذلك". وركز المختار من "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" لجمال الدين ابوالمحاسن بن تعزي بردي الآتابكي، على التفاصيل الخاصة بظهور التتار في الشرق وكيف انتصر المصريون عليهم. وتقع الفصول المختارة في آخر الجزء الثاني عشر من ذلك السفر النفيس، من طبعة دار الكتب المصرية. واحتفظ المعدان في كتاب "مكتبة الاسرة" بالحواشي الواردة في تلك الطبعة، وشددا في التصدير الخاص به على انهما "لم يحذفا حرفا واحدا مما كتبه ذلك المؤرخ العبقري، الذي كان معاصرا للأحداث التي يرويها"، وأعربا عن الأمل في "أن يجد القارىء فيه مورداً خصباً للمعلومات عن تلك الفترة، وأن يتذوق في النص الأصلي ما أبدعه قلم المؤلف". ويذكر أن طبعة دار الكتب المصرية ل"النجوم الزاهرة" حققها كل محمد رمزي وسعيد عبدالفتاح عاشور وحسن حبشي في اوائل السبعينات. ويعتبر جمال الدين أبو المحاسن الشهير بابن تعزي بردي، اول مؤرخ ينتمي الى طائفة المماليك التي حكمت مصر والشام بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر الميلاديين. ومن هنا تبرز أهمية كتاب "النجوم الزاهرة" الذي يضم الكثير من وثائق الدولة المملوكية والأحداث التي شارك ابن تعزي بردي نفسه فيها أو عاصرها أو رأها رأي العين. وهذا ما يجعله من أهم مصادر تاريخ مصر في تلك الحقبة. اما كتاب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، والذي يعرف عادة باسم "الخطط المقريزية"، فيعتبر من أهم الكتب التي تسجل الحياة في مصر عموما، والقاهرة على وجه الخصوص في العصر المملوكي، وتحديدا في مطلع القرن الخامس عشر الميلادي التاسع الهجري، اذ ان المقريزي كان يصف الحياة المعاصرة جغرافيا وتاريخيا بدقة لا يضارعه فيها أحد من معاصريه، ولايزال كتابه الضخم مرجعاً نفيسا لما كانت عليه أحوال مصر في تلك الفترة التي يشوبها الغموض من تاريخ مصر. وقد عاش المقريزي في القاهرة ودرسها دراسة متأنية، وكان أحيانا يستخدم اللغة الدارجة، وهو يرصد في كتابه صورة الحياة من خلال رصد الهيكل المعماري للقاهرة وما حولها، ويستكمل وصفه بالحديث عن تاريخ ما يصف وفقاً لما وصله من الرواة وما كان "العلم" في تلك الفترة قد توصل اليه. وترتكز مختارات "مكتبة الأسرة" على وصف المقريزي وتعويده لدور العبادة- جوامع المسلمين والمساجد والزوايا والخوانك والربط والمشاهد الاضرحة، وكذلك كنائس اليهود وأديرة النصارى وكنائسهم. واختصر المعدان ما تكرر من روايات في ثنايا وصف المقريزي وسرده التاريخي، فهو كثيرا ما يروي القصة أكثر من مرة، كما حذفا بعض التفاصيل التي لاتهم إلا الباحث المتخصص مثل أسماء القضاة على المذاهب الأربعة وما الى ذلك، وركزا على أحوال دور العبادة وحسب. ويذكر أن المقريزي ولد- في ما يقال- في لبنان الحالية العام 1364 م 766 هجرية تقريباً وتوفي العام 1441م 845 ه وعاصر التحولات التي كانت تجري في تلك الفترة الحافلة من تاريخ مصر