قرر المغرب تخصيص موقع على شبكة الأنترنت للعالِم العربي ابن سينا من أجل اصلاح المعلومات الخاطئة عن شخصية هذا العالم، واعطاء صورة واضحة عن جهوده في مجال الطب والجراحة والصيدلة. وسيحاول هذا الموقع على الشبكة العنكبوتية الكشف عن حقائق كانت تحيط بشخصية ابن سينا، وابراز ان هذا العالم الذي كان معروفاً عند الأطباء لعلاقته بالطب والجراحة، كان أيضاً مؤلفاً، وعرفت كتاباته شهرة عالمية، في اشارة الى مؤلفه الشهير "القانون في الطب"، الذي يعتبره الباحثون مرجعاً حقيقياً في مجال العلوم الطبية سواء في المشرق العربي أو الغرب الأوروبي خلال الفترة الممتدة ما بين القرنين 12 و18. وقال باحثون ان ابن سينا كانت له شخصية متعددة الجوانب سبقت عصرها، وغيرت التاريخ من خلال طرح أسئلة وأفكار شكّلت مصدر الهام لعدد من العلوم الحديثة. ولاحظ هؤلاء الباحثون الذين اجتمعوا في مراكش بوسط البلاد لمناقشة صورة ابن سينا في الطب الحديث ان هذا العالم لم يكن يفرّق بين العلوم، ولم يعترف بوجود علم غير نافع، وظل مؤمناً بأن العمل المستديم هو أهم شيء في البحث العلمي، وان المرء مدعو الى ألا ينقطع عمله في مجال الجماليات والطبيعة والشعر والأمور التي تُروح عن النفس لكي يشتغل أكثر، "وهذه الفكرة المستقبلية المهمة يقرها الآن علم المستقبليات". وبدا ابن سينا مثيراً لهؤلاء الباحثين من ناحية أنه أثار اهتمام معاصريه بنبوغه في الطب وفن الصيدلة وأن صيدلته كانت تشتمل على أدوية لسابقيه عرف كيف يطورها بإبداعاته المذهلة. واعتبر مستشار العاهل المغربي السيد محمد علال سيناصر ان شخصية ابن سينا تختزل صورة نموذجية للطب الإنساني في مظاهره المتعددة كما يتجلى ذلك في سيرته الذاتية، التي شرع بنفسه في تدوينها وأتمها أحد تلامذته الذي يسمى أبو عبيد الجورجاني. وقال ان هذا العالم لم يكن طبيباً منظراً فقط كما يمكن أن تدل على ذلك مؤلفاته العديدة ومنها كتاب "الشفاء"، ولكنه كان كذلك طبيباً ممارساً، معرباً عن أسفه لكون الوصفات الطبية التي كان يحررها تعرضت للضياع، وأضاف: انه يمكن الوقوف على عبقرية ابن سينا الذي كان شخصية انسانية بما في الكلمة من معنى من خلال موسوعته الطبية التي تحمل عنوان "القانون في الطب" ومؤلفاته الأخرى ومنها كتاب "الأرجوزة". وأشار السيد سيناصر الى ان ابن سينا، الى جانب ضلوعه في الطب والعلوم البحتة، كان له اهتمام كبير بالعلوم اللغوية واللسانية مستشهداً في هذا السياق بالعناية التي أولاها للقاموس اللغوي الشهير "لسان العرب" الى جانب اهتمامه بالفن والأدب، خصوصاً ما يتعلق منه بالشعر الذي يحمل شحنات فلسفية، "ما يعكس العمق الإنساني لهذه الشخصية الإنسانية". وكشف ملتقى مراكش عن الأعمال المتميزة التي طبعت حياة ابن سينا من خلال اهتمامه بعلوم الحكمة والفيزياء والكيمياء علاوة على العلوم الطبية والطبيعية واهتمامه بالموسيقى والشعر والأشكال الأدبية الأخرى، وأبرز ان شخصية ابن سينا كانت بناء على ذلك عبقرية زمانها بالنظر الى مساهمته الملموسة والتجديدية في العلوم والفلسفة. هذا وأكد الباحثون ان التطرق لحياة ابن سينا "يجيب نوعاً ما على استفهاماتنا الفلسفية والعلمية والأخلاقية، والجمالية المرتبطة بحياة الإنسان"، وأشاروا الى جانب مثير في شخصية هذا العالم "الذي تمكن من معرفة ورصد الفترات الملائمة لجني النباتات الطبية" بالاعتماد على علم الفلك ومعرفة ان النباتات الطبية المختارة تكون سامة في بعض الأوقات نظراً لتأثر جميع الكائنات بمواقع القمر والشمس والنجوم، وهي الطريقة التي أصبح يعتمدها العلم الحديث من خلال الطب الفلكي الذي أضحى مرجعاً يستعان به في علم الأحياء. كما أشاروا الى ان ابن سينا وضع طريقة علمية لاستعمال النباتات والمعادن الطبية، وانه استطاع التوصل الى المواد المنومة التي كان يستخدمها لتخدير المرضى عند العمليات الجراحية وأنه نجح في علاج بعض الأمراض التي ظهرت في عهده باستعماله للأعشاب. ولاحظ ملتقى مراكش ان عطاء ابن سينا الكثيف في مجال الرياضيات لم يكن موضوع تحليل مستفيض من طرف الباحثين الذين اهتموا بدراسة استنتاجاته الفلسفية، كذلك طالبوا بالاهتمام بأعمال ابن سينا في الجراحة ومؤلفاته ومجموع دراساته الطبية والقيام بترجمة مؤلفاته التي كانت مزدهرة الى غاية القرن التاسع عشر