هشال بن عبدالعزيز الخريصي قبيلة شمر: متابعة وتحليل بيروت، دار الساقي، 1998 110 صفحات في كتابه الموسوم ب"تكوين العقل العربي، 1984" رأى محمد عابد الجابري أن الأعرابي هو صانع العالم العربي، وهذا من شأنه أن يقدم الجواب عن السر الذي تساءل عنه عبدالله العروي، الذي يجعل ملايين العرب يهتزون انفعالاً وتأثراً لمرأى جواد يجتاز بانطلاقة عاصفة مدى من الغبار والصخور المحترقة، في حين أنهم يظلون جامدين أمام آلات ميكانيكية هي، مع ذلك، مألوفة لديهم أكثر؟ أعود للقول انه ما بين كون الأعرابي صانع العالم العربي، وما بين كونه من أهل العبث والانتهاب كما يرى ابن خلدون في مقدمته، بقيت الإشكالية بكل مضامينها قائمة، وعلى جميع الصعد الفكرية والواقعية والحضارية، وأشير الى اشكالية الأصالة والحضارة من جهة والتي لما تُحل بعد على صعيد الخطاب العربي المعاصر، ومن جهة أخرى الى الإشكالية الأهم التي ترتفع بالبدوي الى مستوى الصانع ولكنه في الحقيقة والواقع منفي ومطرود. والشاهد على ذلك أن الكثير من الأقطار العربية تضم أعداداً كبيرة من البداوة المنفية والمهمشة والمحرومة حتى من التعليم، أضف الى ذلك أن الإشكالية الفكرية لم تزل قائمة، وأستطيع القول إنها لا ترقى الى مستوى الإشكالية وذلك لأسباب عديدة. فالخطاب العربي المعاصر لا يعير البداوة أدنى حد من الاهتمام، وفي أفضل حالاته يرى البداوة على أنها جرثومة تخلف أبدي على حد تعبير بريان تيرنر. والدراسات الموجودة على قلتها من شأن أية بيبلوغرافيا في هذا المجال أن تفضح خطابنا المعاصر هي دراسات انطباعية تكتفي بالوصف والملاحظة العابرة، ويغيب عنها التحليل للظاهرة، أضف الى ذلك أنها بقيت مقطوعة الصلة بالإنجازات الحديثة في مجال النياسة الأتنولوجيا والأناسة الانتربولوجيا. ولم تهتدِ الى مستوى الإنجازات المهمة في ميدان الاستشراق، خاصة وأن المكتبة الاستشراقية غنية بفيض الدراسات التي طالت البداوة. أضف الى ذلك أن الفتوحات المهمة في حقل "الإناسة السياسية" التي دشنها جورج بالاندييه وبيار كلاستر لم تجد طريقها الى الخطاب العربي المعاصر الذي بقي يجتر رؤية ابن خلدون في كل المناسبات، وعند كل كتابة عن البداوة، مع أنها باتت وبحق متجاوزة وعلى جميع الصعد؟ الكتاب الذي بين أيدينا للباحث الشمري هشال بن عبدالعزيز الخريصي، وهو يبحث في قبيلة شمر من خلال المتابعة والتحليل كما يقول عنوان الكتاب، ولكنه في الحقيقة لا يذهب مذهب التحليل لما سماه الأنتربولوجي البريطاني إيفانز برتشارد، بالنسق البنياني المستتر؟ لا بل أن الكتاب يفتقر الى أي تحليل ولا يستند الى أي منهج، ولا يقوم على أية نزعة في كتابة تاريخ القبيلة، وذلك على رغم أنه يعيب على بعض المؤرخين رؤيتهم الحسيرة لتاريخ القبيلة، معولاً على الجهد الذي يبذله المؤرخون "الشمامرة". فمن وجهة نظره الشمامرة وحدهم المؤهلون لكتابة تاريخ قبيلة شمر ونسبها العريق الذي يدل على انتسابها الى جد مشترك واحد. وعندما يتساءل المرء أين هم المؤرخون الشمامرة جمع شمري في اللهجة الشمرية لا يعثر لهم على وجود. فالتاريخ يعتمد الظن هنا ويستند الى تاريخ شفوي وميثولوجيا شعبية في تناولها لسير الرجال وأبطال القبيلة، مع أننا بحق نحتاج الى تدوين هذا التاريخ الذي يقع خارج التاريخ الرسمي الذي تروج له الجامعات والمدارس. يؤكد الخريصي في المقدمة على حقيقة تاريخية يسكت عنها الشمريون وتتعلق بأصل القبيلة والتي يعود بها الخريصي الى طيء، الى حاتم الطائي. فمن وجهة نظره غير القابلة للشك ان هذه القبيلة وان غلب عليها في السنين الأخيرة الإسم "شمر"، إلا أنها هي "طيء" بأسرها، حتى أن جبلي طي "أجأ وسلمى"، يعرفان حديثاً "بجبلي شمر" ص 11، وأن أصل قبيلة شمر يرجع الى قحطان وموطنها الأول في اليمن، أما مواطنها ومرابعها المعاصرة فتقع في جل أنحاء الشمال بالنسبة للجزيرة العربية، وكذلك ما يتصل بأطرافها الشمالية سواء من جهة الشرق أو من جهة الغرب. أما معتقدهم فهم على الدين الإسلامي الحنيف على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد ساندت هذه القبيلة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في نشر دعواه ووقفت الى جانبه. يهدي الخريصي كتابه "الى كل من يحب فعل الخير ومكارم الأخلاق"، وهو إهداء مشحون بالدلالات، خصوصاً وأن الخريصي والكثير من أبناء شمر، يحركهم حنين جارف الى ما يسميه الخريصي بالمجد المؤثّل على حد تعبيره، خصوصاً وأن هذا المجد يحرك لدى الأجيال الحالية حنيناً الى تلك المثل العليا التي حارب الأجداد من أجلها، والمفتون بها الخريصي الى درجة الحديث عنها وكأنها خصال شمرية تخص شمر دون القبائل الأخرى. في فصول قصيرة وعديدة، يبحث الخريصي في مكارم الأخلاق عند شمر، وفي كرمها وعزتها وشعورها بالانتماء، وفي الرزايا والملمات التي مرت بها، خصوصاً وأن تاريخ القبيلة يكشف عن الحيف الكبير الذي لحق بها، وفي الفن الشعري الشمري، وعن المرأة في قبيلة شمر، حيث يقوم بموضعتها في مكان لائق في خلاف الصورة السائدة عنها... إلخ. ولكن هذه الفصول القصيرة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تساهم في إغناء "الملحمة الشمرية" التي تغذي لدى الأبناء حنيناً الى الأصول. في خاتمة كتابه الموسوم ب"العقل السياسي العربي، 1990" دعا الجابري الى تحويل القبيلة الى لا قبيلة، بصورة أدق، الى مجتمع مديني. أما الخريصي فيغيب عنه أي تصور لهذه الحالة، وقد يعود السبب الى حالة التشتت التي تمر بها القبيلة، ولذلك يمكن وصف كتابه بأنه دعوة الى إحياء ذلك المجد المؤثل بهدف توحيد القبيلة في زمن لم يعد هناك فيه أي متسع للوحدات الاجتماعية الصغيرة؟