في 23 كانون الأول ديسمبر 1997 نشرت صفحة "أفكار" رداً لصلاح عز على هلكوت حكيم تحت عنوان "نعم الضرب على وتر الأقليات المضطهدة والمختلقة مؤامرة". والواضح أن السيد عز صاحب رأي ثابت وقاطع غير قابل للجدل. وهذه الظاهرة ان صح التعبير - ظاهرة الرأي الواحد الأوحد الذي لا مجال لمناقشته ودحضه - كان تناولها العفيف الأخضر أفكار - 17 و18/12/97 بالشرح والتحليل الوافيين. وسنتوقف بداية عند ما يراه الكاتب من أن جمهوريات يوغوسلافيا لم تنفصل إلا بعد سيطرة سلوبودان ميلوشوفيتش على مقاليد الحكم في بلغراد حيث عمد الى إثارة النعرة الصربية وتهيئة المشاعر ضد القوميات الأخرى. وواقع الأمر أن هذا تحليل تبسيطي للموضوع. فتفكك يوغوسلافيا جاء في سياق الانهيار الشامل للمنظومة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي وكان من الطبيعي أن تقوم شعوب وقوميات الاتحاد اليوغوسلافي باستغلال هذه الفرصة للانعتاق من نير الحكم الشيوعي التوتاليتاري الذي أقام تلك الوحدة بالقوة وبالاعتماد على الشعارات الشيوعية البراقة حول "التعايش القومي" في ظل حكم "الطبقة العاملة" و"حزبها الطليعي"... الى ما هناك من الشعارات الجوفاء التي يمتلئ بها القاموس الشيوعي. والحال أن الاتحادات الفيديرالية التي على غرار الاتحاد اليوغوسلافي والاتحاد السوفياتي تحمل بذور فنائها منذ قيامها إذ تنعدم فيها الشروط اللازمة لنجاح الاتحاد الفيديرالي واستمراره. وأهم هذه الشروط على الاطلاق الديموقراطية والمساواة بين مختلف القوميات. فالاتحاد الذي تهيمن فيه قومية على بقية القوميات وتنعدم فيه الديموقراطية سيكون الانهيار والانحلال مصيره المحتم. وأما بخصوص الأكراد فالسيد عز يقول "اما حل مشكلة الأكراد فيكمن في تركيا حيث تتواجد أغلبيتهم الساحقة". نعم هناك مشكلة كردية في تركيا والأتراك كما العرب والفرس يتنكرون للحقوق الكردية ويمارسون شتى أنواع الظلم والاضطهاد. ولكن هل حقاً أن حل مشكلة الأكراد يكمن في تركيا فقط؟ بالطبع لا فالأكراد كما هو معلوم للجميع مقسمون بين أربع دول في المنطقة وكون غالبيتهم في تركيا فإن ذلك لا يعني البتة أن القضية الكردية محصورة في تركيا. أما وحدة العراق التي يتباكى عليها عز فالضمانة الوحيدة لها هي قيام نظام ديموقراطي فيديرالي، أي فيديرالية عربية - كردية تقوم على المساواة والتعاون والاحترام المتبادل. عندها فقط تصان وحدة العراق وتترسخ. وختاماً يبدو أن عز يستكثر على الأكراد حتى الحكم الذاتي بمعناه الواسع. فهو يصر على أن يكون الحكم الذاتي "محدوداً" ولسنا ندري بأي منطق يسمح الكاتب لنفسه بأن يحدد سقف الحقوق والمطالب الكردية.