كان من نتيجة تسليط الأضواء العالمية كلها على آخر الفضائح الجنسية للبيت الأبيض ان فضيحة أقرب الينا مرت من دون اهتمام يذكر، مع انها تتجاوز حدود البلد المعني الى الجيران العرب وأوروبا وبقية العالم. الفضيحة قديمة جديدة تبدأ في تشرين الثاني نوفمبر 1996 عندما أدى حادث اصطدام عادي في بلدة سوسورلك، في غرب الاناضول، الى مقتل مسؤول كبير في الشرطة التركية، وارهابي يميني مطلوب للقضاء، وزعيم كردي تركي وعشيقة الارهابي. ونجا من الحادث عضو في البرلمان التركي كان في السيارة مع بقية العصابة. الفضيحة هذه عادت الى الصدارة الأسبوع الماضي بعد نشر جزء من تقرير رسمي حقق فيها، او في ما أصبح يعرف باسم "فضيحة سوسورلك". وتضمن الجزء المنشور حقائق مذهلة، كان يعرفها الأتراك من دون اثبات، فهو سجل: - نشاطات غير شرعية لأجهزة الأمن والسياسيين مع رجال عصابات معروفين، بحجة مكافحة الارهاب. - استغلال النفوذ لابتزاز المال، خصوصاً من كازينوهات القمار التي تدر بليوني دولار في السنة، والتي دعا التقرير الرسمي الى اغلاقها في 11 من الشهر القادم. - تورط أعضاء في حكومات سابقة وعناصر في الشرطة والدرك، مع ارهابيين معروفين، في اغتيال يساريين معروفين، وتدبير عمليات واسعة النطاق ضد الانفصاليين الأكراد، والرد على العمليات الارهابية للأرمن حول العالم بمثلها. - تعاون عملاء أتراك مع الموساد في محاولة فاشلة لاغتيال عبدالله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني. - تخطيط الاستخبارات التركية لاغتيال زعيم يساري هو دورسون قره تاش، واقتفاء أثره في بريطانيا وبلجيكا وهولندا. ومحاولة الاستخبارات استخدام نورالدين غيوفين، وهو من أكبر تجار المخدرات، في مطاردة قره تاش. - معلومات عن الأموال التي كان يملكها عبدالله جاتلي، الزعيم الارهابي اليميني الذي ارتبط اسمه بقضية سوسورلك وذكر ان بصمات أصابعه وجدت في المكان الذي قتل فيه عمر لوطفو توبال، أكبر أصحاب الكازينوهات في تركيا، بسبب رفضه دفع "خوة". وما سلف كله وكثير مثله ورد في "جزء" منشور من التقرير، ولا بد ان ما لم ينشر يتضمن فضائح أكبر، وأدلة تدين أجهزة الدولة التركية. والنشر نفسه لا يمكن ان يعتبر دليلاً على ديموقراطية الحكم التركي، فقد كان مجرد محاولة من حكومة مسعود يلماز لتشويه سمعة الحكومة الائتلافية السابقة، خصوصاً الحليفة فيها تانسو تشيلر، التي رأست بنفسها حكومة في السابق. ومع ارتباط اسم زوج تشيلر، اوزر، بعمليات كثيرة لعصابات قتل الأكراد بين 1993 و1996، فإن التقرير يتجاهل ان عصابات القتل هذه بدأت نشاطها سنة 1991 عندما كان يلماز نفسه رئيساً للوزراء. اما نجم الدين اربكان، رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب الرفاه المنحل، فمسؤوليته لا تتجاوز وجوده على رأس الحكومة الائتلافية، إلا ان التهم لا يمكن ان تطاله لأنه كان على عداء مستحكم مع الجيش وأجهزة الأمن التي اسقطت حكومته، ومارست الضغط لحل حزبه الذي يعتبر أكبر الأحزاب السياسية التركية. وبغض النظر عن المسؤولية الفردية، فالمسؤولية الجماعية هي مسؤولية النظام كله، فقد اغتيل أكثر من 1500 وطني كردي وصحافي ورجل أعمال وسياسي معارض منذ سنة 1991 في وضع ليس له مثيل في أي من دول المنطقة ربما باستثناء العراق. ومع ذلك تظل تركيا قرة عين الغرب، بل انها تريد الانضمام الى دول الاتحاد الأوروبي الديموقراطية فعلاً، وتجد من يدعم طلبها، فطالما انها مع اسرائيل ضد جيرانها العرب فكل أخطائها وخطاياها مغفورة. وإذا كان الارهاب الرسمي الذي اعترف به جزء من تقرير رسمي لا يكفي سبباً لاعتبار طلب تركيا الانضمام الى الاتحاد الأوروبي وقاحة متناهية، فهناك معدل تضخم سنوي هو 99 في المئة. ولكن إذا كان الارهاب ليس مشكلة للغرب، خصوصاً الولاياتالمتحدة مع تحالف تركيا واسرائيل، فإن الاقتصاد مشكلة أهون كثيراً.