عمرو بن حُمَمة الدوسي ساد قومه أشرف سؤدد، وجاوز عمره الثلاثمئة سنة! فلما خشي عليه قومه الموت، اجتمعوا إليه وقالوا: إنك رئيسنا وسيّدنا، فاختر لنا سيّداً بعدك نرجع إليه، فقال: يا معشر دوس، لقد كلفتموني ثقلاً، ان القلب يخلق كما يخلق البدن، ومن لكم بأخيكم، إن كنتم سودتموني فإني ألنت لكم جانبي، وخففت عليكم مؤنتي، وتحملت مؤنتكم، وعلمتكم مكارم الاخلاق، افهموا عني ما أقول لكم: إنه من جمع بين الحق والباطل لم يجتمعا له، وكان الباطل أغلب عليه. يا معشر دوس، لا تشمتوا بالزلّة، ولا تفرحوا بالنعمة، فإن الفقير يعيش بفقره، كما يعيش الغني بغناه، وأعدوا لكل أمرٍ قدره، وقبل الرماء تملأ الكنائن، ولليدِ العليا العافية، وللصبر الغلبة، ومن طلب شيئاً وجده، وإن لا يوشك أن يقع قريباً. * * * روي عن العباس بن الأحنف أنه قال: بينما المنصور يخطب على منبره ذات يوم، إذ جاءت ذبابة فسقطت على شفته فآذته أذى شديداً، فنزل من منبره، ودخل إلى قصره، وبعث إلى الأعمش. فلما آتاه قال: يا أعمش، أخبرني، لماذا خلق الله الذباب؟ قال الأعمش: إن الله خلق الذباب ليذلّ به الجبارين. قال المنصور: يا أعمش، اني كنت قاعداً على منبري، إذ جاءت ذبابة فسقطت على شفتي فآذتني، فطردتها فلم تذهب. فقال: موعظة لك، فاستغفر الله. * * * دخل معن بن زائدة على المأمون وقد كبر، فقال له المأمون: إلى أي حال صيّرك الكِبر؟ قال: إلى أن أعثر ببعرة، وتقيّدني شعرة. فقال: كيف حالك في المأكول والمشروب؟ قال: إن جُعت حردت، وإن شبعت وجعت. قال: فكيف حالك في النوم؟ قال: إن كنت في ملأ نعست، وإن صرت إلى فراشي ارقت. قال: فكيف حالك مع النساء؟ قال: عندي منهن ضروب: أما القباح فلست اريدهن، وأما الملاح فلسن يردنني. قال المأمون: لا يحل ان يُستناب مثلك، أضعفوا له رزقه، وألزموه بيته، يُركب إليه ولا يَركب إلى أحد. قال القاضي التنوخي: أخذ معن بعض كلماته التي وصف بها كبره ممن قبله، فعن ابي عبيدة معمر بن المثنى: ان حنظلة بن صفوات الضبي - وكان كبيراً في سنه، عظيماً في قومه - دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له عمر: يا حنظلة، بم عرفت الكِبَر؟ قال: بقرب الأرض مني إذا قمت، وبعدها مني إذا جلست، ونومي في الملا، وسهري في الخلا، فقال له عمر: فكيف انت والجماع؟ قال: إن مُنعت غضبت، وإن بُذل لي عجزت. قال: فكيف أنت والطعم؟ قال: إن شبعت وجعت، وإن جُعت ضعفت، قال: افتحب الدنيا؟ فأنشأ يقول: المرء يأمل أن يعي ش، وطول عيش ما يضره وتداول الأيام حت ى، لا يرى شيئاً يسره تفنى بشاشته ويب قى بعد حلو العيش مره كم شامت بي ان هلك تُ، وقائل: للّه دره