ألبرتا اندال امرأة عصرية متحررة لكنها بدأت أخيراً ترتدي مشداً نسوياً ل "ضبط" الخصر والردفين أو ل "لجمهما". لكن هذا المشد ليس ذلك الرداء التقليدي القديم الذي كان "يُحشى" بما يقومِّه ويقويه والذي كانت ترتديه النساء الأوروبيات والغربيات عامة في القرن الماضي ومطلع القرن الحالي لكي يصبح شكل الواحدة منهن كشكل "ساعة الرمل". فالمشد الجديد هو شبه حقيقي فيرتشوال وهو عبارة عن علبة خفيفة الوزن صغيرة الحجم في داخلها محرك وكومبيوتر. ويعتقد الباحثون العاملون في جامعة فيرمونت أن المشد شبه الحقيقي قد يحل محل عدد متنوع من المشدات التي يرتديها حالياً من يشكو من ألم في أسفل الظهر طلباً للراحة والارتياح، وللتخلص من هذا الألم. وإلى هذا يشير هذا المشد الجديد إلى ما يمكن ان يسبب الألم لبعض الناس وإلى كيفية تفاديه. وبدأت راندال، البالغة من العمر 40 عاماً، ارتداء المشد شبه الحقيقي في تشرين الأول اكتوبر الماضي على أساس تجريبي ولدراسة هذه المشدات. ومن المنتظر ان تنتهي الدراسة، التي يقوم بها الباحثون في جامعة فيرمونت منذ عامين، العام الجاري. وتركز الدراسة اهتمامها على العاملين الناشطين من البشر. وجرب الباحثون المشد شبه الحقيقي على أناس ينشطون في مختلف الميادين منهم الميكانيكي والجزار والعامل في المكاتب والممرضة والحجار ومهندس الحدائق والاماكن العامة. وراوحت أعمار الذين جربوا المشد الجديد بين العشرين والسبعين، فيما كانوا يمارسون أنشطتهم العادية اليومية. ويقول الباحث جيم فوكس: "نحاول خدمة الناس العاديين ورغبنا في أن نضع المشد الجديد في خدمة أكبر عدد من الناس". وتعمل راندال، التي تزور مستوصفاً للعلاج الطبيعي، الذي يتناول المفاصل، خصوصاً العمود الفقري، منذ بدأ عمودها الفقري يؤلمها قبل خمس سنوات، على منضدة معظم ساعات يومها في الشركة الانشائية التي تملكها وتديرها أسرتها. وعندما سمعت بالدراسة تطوعت لتجربة المشد الجديد. وبناء عليه ذهب فوكس إلى منزلها و"ركّب" المشد الجديد على جسمها. وفي خلال الأسبوع الأول من استخدام المشد سجّل "الجهاز" حركات راندال الانحنائية على اعتبار ان الانحناء هو أكبر مساهم في نشوء ألم الظهر. وكانت راندال "تتمنطق" بالمشد يومياً من الساعة السابعة صباحاً وحتى التاسعة مساء. وفي الاسبوع الثاني عاد فوكس إلى منزل راندال ونقل المعلومات التي كان المشد جمعها إلى كومبيوتر الحضن الذي اصطحبه معه. وملأت راندال، إلى ذلك، استمارة سجلت فيها النشاطات التي مارستها في خلال الأسبوع وما إذا كان أي من هذه النشاطات سبب ألماً في الظهر. وأدار فوكس بعد ذلك المشد شبه الحقيقي فبدأ يهتز تحذيراً كلما زادت راندال انحناءها وكلما بالغت في الانحناء. وبهذا كان المشد يذكّر راندال بوجوب الانتصاب لتصحيح جلستها أو وقفتها حتى عندما كانت تجلس وراء منضدتها. وتقول راندال: "لقد حسّن المشد وعيي وإدراكي للوضع الذي يتخذه جسدي لمقدار الضغط الذي تعرض له ظهري". وفي المرحلة الثالثة من التجربة أطفأ فوكس محرك المشد الجديد وألبس راندال مشداً تقليدياً يستخدمه الذين يشلون من ألم الظهر، وطلب إليها تعبئة استمارة تذكر فيها بالتفصيل أنشطتها وما إذا كانت شعرت بأي ألم في ظهرها بسبب هذه الأنشطة. وواصلت راندال أيضاً ارتداء الجهاز المسجل. ويستخدم فوكس ما يوفر له المشد شبه الحقيقي من معلومات وما تخطه يد المتطوع من اجابات على مدى الاسئلة المدونة في الاستمارة لكي يحلل مدى فعالية الأجهزة المختلفة والعلاقة المتبادلة بين الانحناء وألم الظهر. ويقول فوكس إن بعض الناس يعاني من ألم الظهر أكثر من غيره. ويشمل هذا البعض الذين يتطلب عملهم اليومي مقداراً كبيراً من الجلوس كسائقي الشاحنات والعاملين في المكاتب والذين يرفعون أشياء مختلفة وهم في موضع لا يتلاءم مع متطلبات الرفع كالممرضين وكآخرين يعملون في مجال العناية الصحية، والذين يرفعون أثقالاً كبيرة بأيديهم. ويضيف فوكس ان ألم أسفل الظهر يصيب 80 في المئة من سكان الولاياتالمتحدة مرة واحدة على الأقل في حياتهم. وفي تقدير جامعة فيرمونت ان هذه المشكلة الصحية تكلف الأميركيين بين 50 و100 بليون دولار في العام الواحد جراء تراجع الانتاجية بسبب الألم، وما ينفقه الأميركيون على العلاج. ويذكر ان "المؤسسة الوطنية للعجز البدني أو العقلي والابحاث الخاصة بإعادة التأهيل" تموّل دراسة جامعة فيرمونت، وتشكل هذه المؤسسة جزءاً من وزارة التربية الفيديرالية الأميركية. وبعد هذا كله، يقول الباحثون إن راندال تستطيع أن تمارس أنشطتها العادية كافة إذا اتخذت جانب الحذر واعتنت بنفسها، علماً بأنها "سفلتت" أخيراً الطريق الفرعية القصيرة التي تؤدي إلى منزلها، على سبيل المثال. وتقول راندال نفسها، التي تلقت بدلاً مالياً رمزياً لقاء مشاركتها في الدراسة، إنها اكتسبت الكثير من هذه الدراسة ومن المشاركة فيها. فقد استبدلت منضدتها القديمة بمنضدة أفضل منها بالنسبة إلى وضع بدلتها في أثناء الجلوس إليها، وباتت تدرك على نحو أفضل بكثير من السابق ما يسبب ألمها. ويذكر ان الباحثين في جامعة فيرمون ابتكروا "المشد شبه الحقيقي"، بدأت هذه التسمية من باب المزاح بين الباحثين انفسهم لكنها "مكثت" في الأدبيات وصارت رسمية على حد ما يقول فوكس، بمشاركة شركة "مايكروسترين انك" الناشطة من "بيرلينغتون" والتي كان أسسها باحثون جامعيون مع طلاب سابقون في جامعة فيرمونت. ويبلغ بعدا "المشد الجديد" نحو 5،2 بوصة x بوصتين 6x5 سم ويزن نحو 100 غرام وترتدي راندال جهازها في صديريتها الخاصة بثدييها. والمعلوم ان الذين يشكون من ألم الظهر يستخدمون المشدات أو ما يشبهها منذ سنوات كثيرة جداً لكن الأطباء لا يعرفون بالضبط أسباب نجاح هذه المشدات في ضبط الألم واحتوائه. ويعتقد فوكس ان المشدات تفعل فعلها لأنها تذكّر الناس بوجوب الجلوس والوقوف على نحو سوي. ومن الخدمات التي ستقوم بها هذه الدراسة هي أن تحلل ما إذا كان المشد شبه الحقيقي سيكون أكثر فعالية من المشد التقليدي القديم. وفي اعتقاد راندال أن المشد شبه الحقيقي أفضل من التقليدي لأن تحذيراته التي "يرسلها" بين الحين والآخر تفرض نفسها على مرتديه ولا يستطيع بالتالي أن يتجاهله على رغم أنه يجد صعوبة أكبر في التعود عليه. ولا يعرف فوكس ما إذا كان المشد الجديد سينزل إلى الأسواق في آخر المطاف بأعداد كبيرة، لكنه لا يستبعد حصول هذا الأمر، ويقول: "المشد الجديد هو ككل العلاجات ينفع البعض ولا ينفع البعض الآخر".