دائماً كان لشجر السنديان شأن وجودة كبيران، وإن لم يحظَ على رغم العقود التي يعمرها، وبخاصة عند اللبنانيين، بمكانة الأرز. والنوعان يكادان يكونان من الفصيلة نفسها اذ يمكن أن يعمّرا آلاف السنين اذا لم يعبث بالأشجار منشار او فأس او غيرهما من الادوات التي لا تقدم سوى الأذى للطبيعة وجمالها. وإذا شاء القدر ان ينبت الأرز في قمم الجبال وأعاليها، وان توليه الدولة اهتماماً ويغدو رمزاً لها وعَلَماً، فالسنديان على تواضعه وخلوده ينبت في كل ارض ساحلية أم جردية أم جبلية. لكن لم يبقَ منها الا التي عرفت اهتماماً وعناية وذوداً عنها من حريص او محب، كالذي حظيت به سنديانة خربة قنافار البقاع الغربي الضاربة في القدم وتعتبر أكبر شجرات السنديان في الشرق الأوسط، على ما قال الى "الحياة" ابن البلدة الدكتور فؤاد سلوم. وأضاف: "يقال ان سنديانة عين تريز أكبر، وتبين بعد دراسة اجريت ان الفرق كبير جداً بينهما. وقد حاول بعض الدارسين التعرف الى عمرها بالطرق الكلاسيكية عبر قطع غصن وعد الطبقات فتبّين انها تداخلت بعضها ببعض ولم تميّز. وقال مهندسو الانعاش الاجتماعي العام 1967 ان عمرها بالآلاف". والسنديانة مثل شمسية مفتوحة او نصف كرة مرفوعة في الهواء بأغصان كبيرة يحملها جذع لا يحيط به عشرة رجال متماسكي الأيدي. وأكد سلوم "ان شكلها طبيعي ولم يمر بها منشار مشذباً على الاطلاق"، موضحاً "ان ارتفاعها 25 متراً منه الجذع وهو اربعة امتار ونصف المتر وفروع تمتد بشعاع 20 متراً. وهي لا تزال تنمو بدليل ان مقعداً اسمنتياً بُنيَ حول جذعها ويبعد عنه 50 سنتمتراً وبارتفاع 50 سنتمتراً ومُلئ تراباً وبعد مدة تشقق الباطون وزال المقعد ما دلّ على ان جذعها يكبر". واضاف: "اما اليوم فبدأت اوراقها تصفرّ من جرّاء الانارة التي قامت بها وزارة السياحة". وأوضح "ان وزير السياحة نقولا فتوش رأى الشجرة في جولته الانتخابية الاخيرة فلفتته وأمر بإنارتها بقرار انتخابي وغير علمي، ما اثر في نظامها التنفسي سلباً اذ راحت تتنفس ليلاً ونهاراً ما جعل اوراقها تصفر خصوصاً حيث ثبّتت الكشّافات في اسفلها". ولماذا لم يوقف اهالي البلدة الإنارة؟ أجاب: "لا رئيس بلدية فيها ولا مختار وكل الأعضاء في المجلسين رحلوا ولا يستطيع احد من العائلات اتخاذ القرار تجنباً للمشاكل، لذا نناشد الوزير وهو من أمر بإنارتها ان يوقف الإنارة او ان يأمر بها في المناسبات فقط". و"خربة قنافار" من قرى البقاع الغربي تبعد 23 كيلومتراً عن شتورا وترتفع عن سطح البحر ألف متر. وقال سلوم: "أنافار تعني في اليونانية المنارة العالية اذ كان في البلدة منارة لحماية القوافل من قطّاع الطرق في زمن الاسكندر. ودمرت في الزلزال الذي ضرب بيروت العام 555م لأنهما على خط العرض نفسه. فقال الناس "خربت أنافار" وعندما دخلت الفصحى كتبت خربة قنافار". وعلى مقربة من السنديانة مدرسة ومقام، وقال سلوم: "هذا مزار "الشيخ مسافر" الذي مات عندما كان يأخذ قيلولة تحتها ولم يكن من القرية ولا يعرفه احد، فأكرمه أهل البلدة ودفنوه وبنوا له مقاماً وسموه الشيخ مسافر". وأضاف: "كان المسلمون يزورون المقام ويمضون نهارهم فرحين في ظلها. ولكن توقفت عادتهم هذه قبل 25سنة". وختم: "الآن ينمو في فيئها تلامذة مدرسة القرية التي جعلت بؤرتها ملعباً لهم ويؤمّها متنزهون في الآحاد".