تعد قبة زمرد خاتون اجمل تجسيد للقباب المخروطية في العراق، فهي تجمع عناصر معمارية وزخرفية تمثل نقلة نوعية في فنون العمارة بين الاجيال السابقة واللاحقة لهذا الفن الاصيل. يقوم هذا المشهد في مقبرة الشيخ معروف الكرخي وعلى مقربة من مئذنة جامع باب الدير او الجنائز ويعرف بين الناس باسم الست زبيدة. وأول من ذكره بهذا النعت الرحالة الدنماركي كارستن نيبور الذي زار بغداد العام 1766. وأكدت المراجع التاريخية ان البناء يضم قبر السيدة زمرد خاتون زوجة الخليفة المستضيء بالله، ام الناصر لدين الله والمتوفاة العام 599ه/ 1202م اذ من المعروف ان هذه السيدة شيدت لنفسها مشهداً قبل وفاتها وألحقت به مدرسة وأوقفت عليهما اوقافاً كثيراً. وكان البناء متيناً جداً لأنه شيد بالطابوق والجص وكسيت جدرانه من الداخل بالجص ايضاً، فقاوم عوامل التخريب وظل شاخصاً الى يومنا هذا. اما المدرسة فقد اندثرت ولم يبق من آثارها شيء. ولهذا يعد هذا الموقع فريداً في شكله، جميلاً في مظهره. وامتاز بتقنيته وعناصره المعمارية والزخرفية النادرة. يتألف البناء من غرفة مثمنة من الداخل والخارج يبلغ طول ضلعها 7.65 متر من الخارج وترتفع بمقدار 8.30 متر وجدرانها سميكة جدا تزيد في اسفلها على ثلاثة امتار. ويتوسط المدخل احد اضلاعها الشمالية وينفتح عليه من الجهة اليسرى ببوابة سلم يقود الى السطح من داخل الجدران. وتم الحاق بناء مستطيل به غطى المدخل وكون دهليزا يتصل بالباب الاصلي. وزينت جدران البناء من الخارج بحنايا ذوات عقود مدببة مطولة لا تغور كثيراً داخل الجدران وترتفع الى مستوى معين من بدن الغرفة ويبلغ عددها اثنتين في كل ضلع، وتخلو بواطن هذه الحنايا من التشكيلات الزخرفية ولكن يعلوها صف من اشكال مستطيلة منخفضة قليلاً عن مستوى وجه الجدار وعددها اثنان في كل ضلع، وفيها تشكيلات زخرفية دقيقة محفورة على الاجر. اما جدران الغرفة من الداخل فخالية من أية تشكيلات معمارية او زخرفية عدا حنية المحراب التي تقابل المدخل تماماً. وتقوم على هذه الغرفة قبة مقرنصة مخروطة يبلغ ارتفاعها 13.30 متر، واستخدم المعمار هنا المقرنصات للحصول على هذا الشكل المخروطي المقبب من الخارج والمكوّن من حنايا ذوات عقود مدببة مائلة او بارزة الى الامام من الداخل. ويبلغ عدد صفوف المقرنصات من الداخل اثني عشر صفاً صممت الثلاثة الأولى من الاسفل بتقنية خاصة، اما الصفوف التسعة التالية فيتألف كل صف منها من ست عشرة مقرنصة او حنية تميل الى الداخل كلما ارتفعت الى الاعلى وتنتهي بشكل نجمة ثمانية ترتفع فوقها قبة ثمانية ايضاً يتوجها رأس مخروطي مدبب. ويُشغل كل ضلع من داخل المئذنة بثلاث حنايا او مقرنصات، الوسطى منها عريضة نسبياً ولا يبرز عقدها الى الامام ويحيط بها من اليمين واليسار مقرنصة او حنية مسطحة ذات عقد مدبب مطول يبرز الى الامام. وتتكرر هذه التشكيلة ثماني مرات وتصبح كل من المقرنصتين الضيقتين متجاورتين، وتكون رؤوسهما قاعدة المقرنصة في الصف الثاني والتي برز رأسها الى الامام اكثر من بروز رؤوس الحنايا في الصف الأول. وتتبادل هذه الحنية مع حنيتين او مقرنصتين مجوفتين يكون تجويفهما امتداداً للحنية الرئيسية في الصف الأول، اما الصف الثالث فمقرنصاته مرتبة بشكل معين ناتج عن تقاطع عقدين تنشأ عنهما وحدة من ثلاث مقرنصات وتتكرر بشكل دائري. اما من الخارج فيبلغ عدد صفوف المقرنصات تسعة فقط، وثمة أربع نوافذ في الصف الأول من المقرنصات يشغل كل منها تجويفاً من تجويفات الحنايا. وبالاضافة الى ذلك فهناك فتحات دائرية اخرى تشغل قمة كل حنية من الصفوف التالية، الغرض منها ادخال النور الى داخل التربة. تتكون الزخارف التي تشغل بطون المستطيلات من حشوات هندسية ذات زخارف نباتية حفرت تفريغاً على الطابوق، وتتنوع الاشكال الهندسية فتضم معينات وأشكال نجوم مثمنة ومثلثات ومربعات ومستطيلات وأشكالاً اخرى رتبت في اوضاع جميلة ضمن تشكيلة تتلاحم فيها هذه الاشكال مع اشكال اخرى نتجت عن التفنن في صف الطابوق غير المزخرف بأوضاع مختلفة. وتتألف الزخارف النباتية هنا من اغصان تلتف وتلتوي لتتكيف مع الاشكال الهندسية التي تؤطرها وتنتهي بمراوح وأنصاف مراوح نخيلية. والزخارف النباتية المحفورة تفريغاً والمتلاحمة مع الاشكال الهندسية المعمولة من التفنن في صف الطابوق هي مثال جيد لما وصل اليه هذا الفن في العمارة البغدادية التي تعود الى نهاية القرن السادس الهجري، وهو الفن الذي بلغ اوج عظمته في النصف الأول من القرن السابع الهجري النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي كما هو واضح في التشكيلات التي تزين اجزاء واسعة من جدران المدرسة المستنصرية. وأخيراً فهذه التربة تجمع في شكلها وعناصرها المعمارية والزخرفية بين ما كان سائداً قبلها بشكل متطور ومتقدم، وهي اجمل تجسيد لهذا النوع من القباب المعروفة في عدد من مشاهد العراق.