سدّ مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي امس ابواب الحوار والتفاوض مع الولاياتالمتحدة، وحمّل الحكومات الاميركية المتعاقبة مسؤولية "القطيعة" القائمة بين البلدين منذ نحو عقدين، وقسّم العالم الى قطبين، قطب "الاستكبار" بقيادة اميركا وقطب "الاسلام ومحوره" نظام الجمهورية الاسلامية. ورأى ان انخراط بلاده في خيار "التفاوض" مع واشنطن "لن يكون مجدياً" وسيلحق "الضرر" بمصالح ايران و"النهضة الاسلامية العالمية". ودافع عن عملية احتجاز الرهائن في السفارة الاميركية عام 1979، واصفاً طلبة "خط الامام" الذين قادوا العملية بأنهم "شرفاء لأنهم لم يعدموا الرهائن"، واصفاً قرار الابقاء عليهم احياء بأنه كان "تنازلاً ومروءة". ودافع خامنئي عن الرئيس سيد محمد خاتمي وما تضمنه حواره مع "سي. ان. ان" من مواقف "مبدئية" سيما ما يتعلق بالحوار وتطبيع العلاقة مع واشنطن وما يتصل باسرائيل والمسألة الفلسطينية، وحمل المرشد على منتقدي خاتمي في الداخل واعتبر انهم سقطوا في الفخ الذي نصبته "الامبراطورية الاعلامية - السياسية الاميركية التي شوّهت مواقف الرئيس خاتمي وتعمل على تضليل الرأي العام الدولي عن الحقيقة". وكان خامنئي يتحدث في صلاة الجمعة في باحة جامعة طهران، في حضور ما يناهز نصف مليون ايراني غصّت بهم الشوارع المحيطة بالجامعة. وكان واضحاً ان خامنئي قصد القاء الخطبة على غير المتوقع ليركز حديثه في شكل اساسي على العلاقة مع اميركا وتفاعلات الحوار التلفزيوني لخاتمي. وبدا حريصاً على وضع "النقاط على الحروف" منعاً لأي "التباس" او "تضليل" او "غش اعلامي سياسي". دفاع عن خاتمي ودافع بشدة عن خاتمي مؤكداً انه تابع ودرس "بدقة وعناية كل ما قاله رئيس جمهوريتنا المحترم في حواره وما أعلنه من مواقف مبدئية، هي مواقف نظام الجمهورية الاسلامية من العلاقة مع اميركا والكيان الصهيوني والمجاهدين الفلسطينيين"، علماً بأن اوساطاً سياسية - اعلامية في الداخل انتقدت بعض مواقف خاتمي ورأت فيها "تنازلاً" و"ضعفاً". لكن خامنئي انتقد بدوره هذه الاوساط مبدياً اسفه لكون "مطبوعات غير ثورية بالشكل المطلوب تنزلق في توجه اعداء الثورة والشعب" معتبراً ان التأويلات "الخاطئة" لمواقف خاتمي "ظلم شديد خصوصاً ان الاعلام الخارجي المعادي صوّر وكأن رئيس الجمهورية يدعو الى التطبيع مع اميركا، فهو قال بوضوح اننا لسنا في حاجة الى حوار وعلاقة مع الحكومة الاميركية وهم يقولون ان هذا تمهيد للتفاوض والحوار مع أميركا". ويحرص المرشد منذ أشهر، خصوصاً منذ الانتخابات الرئاسية الاخيرة، على تأكيد "الوحدة الداخلية" والتحذير من أية "فرقة". وقد يكون شعر ان ردات الفعل الداخلية على الحوار التلفزيوني يمكن ان تكون لها آثار سلبية، لذلك شدد على ان "مواجهة اميركا كانت دائماً عنصراً يوحد الشعب الايراني، وهؤلاء يريدون تحويل هذا العنصر الى عامل تفرقة". وأسهب خامنئي في تحليل "النهج السياسي - الاعلامي المضلل واهدافه في الآونة الاخيرة"، وقال "انهم يكررون مسألة الحوار مع اميركا كي يحوّلوا قباحة الى حسنة كما فعلوا مع العرب في موضوع التفاوض مع اسرائيل"، واعتبر ان الادارة الاميركية "تحتاج كدولة عظمى الى حوار مع الجمهورية الاسلامية حتى توهم العالم ان لا احد يستطيع الوقوف في وجهها وتحدي مؤامراتها وسياساتها". وقسّم خامنئي المنظومة الدولية الى قطبين متقابلين: "قطب الاستكبار بقيادة اميركا وقطب الاسلام ومحوره نظام الجمهورية الاسلامية، وهدف الترويج لاشاعة التفاوض القول ان قطب الاسلام هُزم واضطر للتراجع". وقاطع المصلون خامنئي اكثر من مرة ليرفعوا شعار "الموت لاميركا" رغم انه منعهم من ذلك مرات داعياً اياهم الى "الانتباه والتركيز على ما أود ان ابلغه بوضوح ودقة". واختصر كلامه في النهاية ليعلن "موقف الثورة والجمهورية الاسلامية" من مسألة العلاقة مع الولاياتالمتحدة بالقول: "ان قراراتنا ومواقفنا تستند الى المنطق الذي يقوم على المصالح الوطنية والمبادئ والمعتقدات التي ناضل من اجلها الشعب الايراني ... وان القطيعة الحالية مع اميركا هي نتيجة للسلوك الاميركي ونهجه الاستكباري ... ولا جدوى من اي تفاوض أو علاقة مع اميركا ولا فائدة يجنيها الشعب الايراني، بل انهما التعاون والعلاقة يضران نظام الجمهورية الاسلامية". وحاول خامنئي ان يوضح ان هذا القرار القائم على "المنطق" يستند ايضاً الى "معارضتنا لمواقف اميركا في العالم، خصوصاً انها تعتبر الداعم الرئيسي لأسوأ نظام في العالم الا وهو الكيان الصهيوني"، وشدد على ان "كلامنا موجه الى الحكومة الاميركية لأنه ليست لدينا اية مشكلة مع الشعب الاميركي". وذكّر خامنئي بأن طهران لم تبادر الى قطع علاقاتها مع واشنطن بعد قيام الثورة "رغم العقود الطويلة من الظلم والتحقير والاهانة ودعم نظام الشاه الديكتاتوري، لكنهم الاميركان حوّلوا سفاراتهم منذ اليوم الاول لانتصار الثورة الى مركز للتآمر والتخطيط والعمل على تنفيذ انقلاب على نظام الثورة"، ورأى ان مبادرة طلبة "خط الامام" في اقتحام السفارة واحتجاز الرهائن كان "نتيجة طبيعية" ووصفهم بأنهم "كانوا شرفاء اذ كان في امكانهم اعدام الرهائن لكنهم لم يفعلوا وابقوا عليهم احياء ثم اصدر الامام الخميني القرار باعادتهم الى بلدهم". الى ذلك أ ف ب حذر خامنئي القادة الباكستانيين من "اتساع دائرة العنف" الذي يعطي "ابعاداً تزداد خطورة" للنزاعات الطائفية التي تشهدها باكستان. وقال في خطبة الجمعة انه "اذا لم يقم القضاء بعمله بحزم فإن الطوائف الاخرى يمكن ان تفكر في تنظيم الدفاع عن نفسها بنفسها". وأضاف: "نأمل بالمحافظة على ثقتنا بالحكومة الباكستانية ولكن ذلك قد يتخذ ابعاداً خطيرة اذا لم تتخذ اي اجراءات لوقف المجازر". وأضاف: "ان "اعداء" العلاقات الايرانية - الباكستانية يقفون وراء المجزرة التي استهدفت مسلمين شيعة". وكان 22 شخصاً على الاقل قتلوا وجرح عشرات آخرون في لاهور عندما اطلق مجهولون النار على مسلمين شيعة يشاركون في مراسم دينية. من جهة اخرى اكد وزير الخارجية الدكتور كمال خرازي ان حكومته ترفض البدء في حوار مع واشنطن "طالما استمرت الاخيرة في سياستها العدائية تجاه الجمهورية الاسلامية". ورمى الكرة في الملعب الاميركي مشدداً على "اننا في انتظار خطوات عملية من اميركا وعليهم ان يتحركوا عملياً ويغيّروا سياستهم العدائية"، لكنه اعتبر ان ثمة "تغييراً في لهجة" المسؤولين في واشنطن بعد مبادرة خاتمي في الانفتاح على "الشعب" الاميركي، واستطرد بأن "هذا ليس كافياً". كما أكد ان بلاده مستعدة للانضمام الى الجهود الدولية لمكافحة الارهاب، ونفى اي مسعى لبلاده لاحتلال وتطوير اسلحة الدمار الشامل، لكنه حمل على الموقف الاميركي من المسألة الفلسطينية وتساءل: "لماذا تصرّون على سياسة تنتهك حقوق شعوب المنطقة" ودعاهم الى محاولة "ايجاد حل ديموقراطي".