تبقى مسألة خفض العجز من المهمات الصعبة التي ستواجه مجلس الادارة الجديد لشركة "طيران الشرق الاوسط" ميدل ايست، والتي كانت استعصت على مجالس الادارة السابقة، بسبب عجزها عن التصدي للملف المتعلق باستيعاب الفائض من الموظفين لجهة طريقة تشغيلهم على نحو يحقق زيادة في الانتاج. فالمجالس السابقة لم تنجح في كبح السياسيين الذين أسهموا من خلال تدخلاتهم في زرع مئات الموظفين على رغم عدم حاجة الشركة اليهم، حتى ان بعضهم انتزع منها الموافقة على ترقيتهم ليتسلموا وظائف في مكاتب الشركة في بيروت او في المحطات العائدة اليها والموزّعة على عدد من الدول العربية والاجنبية. وفي هذا الصدد، قال مراقب لسير أوضاع الشركة ان الغطاء السياسي الذي يتمتع به عدد من الموظفين كان أقوى من قدرة مجالس الادارة على التصدي لهم، ما اضطرها الى التسليم بسياسة "القضاء والقدر" المفروضة عليهم، مشيراً الى ان المجيء بمجلس ادارة جديد بعيداً من التدخلات السياسية، يمكن ان يشكل فرصة لاعادة فتح ملف المشكلات التي تواجهها الشركة بغية التوصل الى الحلول المرجوة التي من شأنها ان تضعها على طريق الانقاذ. واكد المصدر لپ"الحياة": "قد لا يكفي القول ان السياسيين، وفي مقدمهم أركان الدولة، اتخذوا قرارهم الرامي الى عدم التدخل في اختيار الاعضاء الجدد لمجلس الادارة، اذ ان مثل هذه الخطوة وإن كانت أساسية في اعادة الاعتبار للشركة، تبقى منقوصة ما لم تقترن برفع الغطاء السياسي عن الذين سيعتبرون أنفسهم متضررين من الاجراءات والتدابير التنظيمية التي سيلجأ اليها المجلس، والتي ستؤدي الى حرمانهم المكاسب غير المشروعة التي حصلوا عليها، في ظل ظروف الحرب التي فرضت على الادارات المتعاقبة ضمان بقاء الشركة على قيد الحياة، ولم تسمح لهم بالالتفات الى الداخل لوقف ما يحصل من تجاوزات". ولفت الى ان مجلس الادارة الجديد "لن يبادر باتخاذ قرارات عشوائية في حق بعض الموظفين تحت ستار التصدّي للفائض منهم، لئلا يؤدي اللجوء الى السلبية، الى ردّ فعل مماثل خصوصاً ان المطلوب من المجلس اعداد خطة لاستيعاب الموظفين بدل معاقبتهم". واضاف "ان مجلس الادارة سيعمل على تطبيق المثل القائل عفا الله عمّا مضى، اي انه سيتجنب الاقدام على صرف الفائض من الموظفين، في مقابل تدعيمه بصلاحيات استثنائىة تتيح له وقف تمادي الفوضى التي كان لها دور في تسريع استنزاف الشركة من الداخل في شكل يزيد من العجز المالي". وكشف "ان مجلس الادارة سيعكف في وقت قريب وفي اجتماعاته اللاحقة على درس العروض المقدمة الى الشركة من الشركات الكبرى المختصة بتصنيع الطائرات المدنية لنقل الركاب، وصولاً الى اتخاذ القرار النهائي وعلى وجه السرعة لتدعيم الاسطول الجوي، اذ لا يعقل ان يطلب من المجلس الجديد اعداد تصوّر متكامل يأخذ في الاعتبار ضرورة خفض العجز من دون ان تؤمّن له الدولة الامكانات لزيادة الانتاج التي لن تحقق ما لم يتم شراء طائرات جديدة او استئجارها، لتؤمن سد العجز الفادح في عدد الطائرات". واضاف "ان عدم حصول المجلس الجديد على موافقة مسبقة لتدعيم اسطول الشركة يعني ان مهمته ستبقى محصورة في ادارة الازمة التي تتخبط فيها، والتي يتوقع ان تتفاقم ما لم تبحث الشركة عن طريقة لزيادة الموارد المالية، وهي لن تتأمن في ظل الابقاء على عدد متواضع من الطائرات التي تستخدم في الوقت الحاضر لنقل الركاب، فضلاً عن ضرورة تحسين الخدمات التي تقدمها الشركة الى المسافرين والتي تراجعت اخيراً في شكل ملحوظ، وليس من المصلحة الخوض في أسبابها". ولاحظ المراقب "ان اختيار مجلس الادارة قوبل بترحيب لبناني، لكن الترحيب لن يدوم الى أبد الآبدين ما لم تُطلق يده في اعادة ترميم أوضاع الشركة من الداخل كشرط لتستعيد دورها كواحدة من الشركات العالمية، خصوصاً انه سيكون في مقدوره اتخاذ قرارات تقوده حتماً الى خفض العجز، شرط ان يسمح له بوضع نظام جديد للموظفين". وتحدث عن بعض المهمات المطروحة على جدول اعمال المجلس الجديد، وفي مقدمها تقليص عدد الموظفين العاملين في محطات الشركة في الخارج، التي تبلغ نحو 38 محطة بعضها متوقف عن العمل لتوقف الرحلات الجوية اليها، مشيراً الى ان "من غير الجائز ان يفرز لخدمة المحطات ما يفوق الخمسمئة موظف". واضاف "ان المحطات في الخارج لا تحتاج الى اكثر من مئتي موظف. وان تقليص العدد يؤمّن خفضاً في الانفاق يقدّر بملايين الدولارات، خصوصاً ان الشركة تمنح العاملين في الخارج تعويضات اضافية ناجمة عن بدل السكن والإقامة، وهذا ما يبرر استمرار التدخلات التي كانت وراء إلحاق المئات من الموظفين بمحطات الشركة". وتوقف "أمام مسألة أساسية كانت مدار بحث في الاجتماع الاخير لمجلس الادارة الجديد، وعكسها رئيسه محمد الحوت في اللقاءات المفتوحة مع العاملين، وتتعلق في الدرجة الاولى بمسألة تراكم الإجازات السنوية لعدد كبير من الموظفين الذين لا يستفيدون من إجازاتهم بذريعة ان الشركة في حاجة اليهم، مع ان الشكوى قائمة من وجود فائض في العدد". ورأى "ان تراكم الإجازات يزيد من العجز المالي للشركة، خصوصاً ان موظفين في كل الاقسام التابعة للشركة كانوا استفادوا من هذا التدبير، عندما حصلوا على تعويضات نهاية الخدمة التي أضيف اليها بدل مالي بعدد ايام الإجازات المتراكمة". وأكد "ان المجلس الجديد شدّد على وقف العمل بمثل هذا التدبير المنظّم وأبلغ العاملين وجوب الإفادة من عطلتهم السنوية وعدم تدوير اكثر من عشرة في المئة من عام الى آخر"، لافتاً الى "اكتشاف فوارق مالية في تعويضات نهاية الخدمة اذ ان بعض الموظفين حصلوا على تعويض فاق بعض آخر، على رغم انهم يعملون في الدائرة نفسها". وأشار الى ان وقف التدبير القاضي بالسماح لهم بان يراكموا عطلهم السنوية، "سيوفّر على الشركة ملايين الدولارات شرط ان يبادر المجلس الى وضع خطة لتشغيل جميع العاملين لاسقاط الذرائع المترتبة على السماح لبعضهم العمل باستمرار بذريعة ان لا بديل منه في الشركة". وأضاف: "ان خفض العجز من خلال اعادة النظر في الخطة المتبعة لتشغيل الموظفين، لا يلغي على الاطلاق البحث عن خطة لتشغيل الفائض ان من خلال انشاء المؤسسة العامة لتشغيل مطار بيروت وصيانته او عبر تأسيس شركة لبنانية - فرنسية للصيانة".