منذ أول ذكرى لأحداث 11 سبتمبر وحفلات تأبينهم لضحايا ذلك اليوم تتضاعف، ليتضاعف معها تجريم ذلك الفعل الإرهابي، فقنواتهم مشغولة بتذكير الناس بمآسي ذلك اليوم وتأبين ضحاياه وتجديد التخويف من إرهاب إسلامي مترصد، وانساقت بعض قنواتنا وصحفنا العربية إلى هذه المناحة الجائرة؛ لتصنع لهم بواكيَ جدداً، تنوح على ثلاثة آلاف قتيل، وتتناسى ضحايا إجرام القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، وتخوِّفُ من إرهاب القاعدة وانتشارِ أفكارها، وتتحاشى الحديث عن إرهاب الصهاينة وخطرهم. لم يكن هذا الانسياق وراء الإعلام الأميركي المتصهين عن سذاجة، بل عن تبعية وانهزامية، وربما عن عمالةٍ رخيصة. في كل عام يتضاعف ضحايا العدوان الأميركي الصهيوني في بلاد المسلمين، ثم لا يتضاعف معه في وسائل إعلامنا العربية إلا التباكي والتناوح على ضحايا البرجين، يصنعون لهم في كل سنة مناحة، وكأنه لم يقتل من الأبرياء إلا هؤلاء، ولكأن الشر والإرهاب مختزل في تنظيم القاعدة، ومن المؤلم أن تتزين قناة عربية بالصمت دقيقةً تأبيناً وحداداً على ضحايا البرجين!! إنها رسالة إهانة صارخة تشعرها كل أسرة مكلومة بشهيد قتلته القوات الأميركية في أرض العراق وأفغانستان أن تذهب دماء أبنائها هدراً لا بواكي لهم، بل ولا عوض ولا عزاء. أن ندين إجرام القاعدة لا يعني أن نسكت عن إجرام غيرها ونتغاضى تحت أي ذريعة ولو ذريعة محاربة الإرهاب، كما أن إدانة ما أجرمته القوات الأميركية في العراق وأفغانستان لا يعني أننا نؤيد تنظيم القاعدة. إن حدث 11 سبتمبر حدث له ما بعده، ومفصل تاريخي يحكي حقبة تاريخية جديدة، ولا ندعو لتجاهل مناسبته، لكن الذي ننكره أن يتحول الحديث في مناسبته إلى تأبين وتناوح على قتلى البرجين، فهذا أمر قد انتهى، وإن كان ثمة من يصرّ عليه فيلزمه أيضاً أن يتعاطف ضعف هذا التعاطف مع ذوي الشهداء الأبرياء الذين قتلتهم غشامة القوات الصهيونية الأميركية. أليس أولى من هذا التعاطف الممجوج أن تتناول وسائل الإعلام هذا المفرق التاريخي بالحديث عن فضح الشعارات الزائفة والأجندة الخطيرة التي تريد أن تفرضها الإدارة الأميركية المتصهينة وعملاؤها تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وبالحديث عن حجم جرائهما في البلاد الإسلامية وما تكبدته المجتمعات الإسلامية من خسائر بسبب هذه العنجهية الصهيونية. المتأمركون يرون ضخامة أحداث 11سبتمبر من عدد قتلاه والنيل من الهيبة الأميركية؛ لكنهم لا يرون ضخامة الجرائم الأميركية في البلاد الإسلامية بعد 11 سبتمبر؟ وليس لهم كلام في إدانة هذا، وكلما خرجت فضيحة للقوات الأميركية؛ كفضائح سجن أبو غريب صرخوا بتوتر: ما يفعله طغاة العرب أفضع وأشنع ؟! حسناً ليكن الأمر كذلك؛ لكن هل يجرؤون أن يصرحوا بعمالة بعض هؤلاء للأميركان؟ وهل أفعال هؤلاء تسوِّغ فضائح الأميركان؟ تمر أحداث 11 سبتمبر ولا يتكلمون إلا عن خطورة القاعدة والإرهاب بها، وجعلها فزّاعة وشماعة لتسويغ جرائم الأميركان واحتلالهم وسرقتهم لثروات الشعوب الإسلامية كما يحدث في العراق مثلاً. غير أن الذي يسلينا أن هذا الإعلام المتأمرك بات مفضوحاً ممجوجاً لا يكاد يصدقه أحد إلا من كان على شاكلته، لأن الناس صاروا يبحثون عن الحقيقة بأنفسهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب. الربيع العربي حقبة تاريخية جديدة مجيدة للأمة العربية كلها، حقيقةٌ أن يكون لها ذكرى تزاحم احداث 11سبتمبر على الأضواء، بل ذكريات، لكل دولة منها يوم، فيوم لذكرى سقوط حسني، ويوم لسقوط ابن علي، ويوم لسقوط القذافي، وهكذا! * أكاديمي في الشريعة. [email protected]