بعد صلاة الجمعة أول من أمس، بدأت الرسائل الهاتفية تتوالى، والاتصالات تنهمر مثل انهمار المطر على الرياض أمس، محورها سؤال واحد: هل تعلم عن قرار سيصدره خادم الحرمين الشريفين الليلة يوصف بأنه من «الوزن الثقيل»؟ كانت إجاباتي عن رسائل الأصدقاء والزملاء والمتصلين ب «لا أعلم». فَمَن قال «لا» فقد أفتى، خصوصاً في قرار كهذا بحجم «وطن»، انجلت الإجابات، حاملة خبر تعيين وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء. إذ نُقل الخبر «رسمياً» على الشاشات التلفزيونية ووكالات الأنباء عند الساعة التاسعة مساء من الليلة نفسها، وبدأت الفضائيات في «خطب» هواتف المحللين، وكل أسئلتها تتمحور حول أهمية قرار التعيين. كنت من بين الذين تحدثوا «تلفزيونياً» عن هذا القرار المهم في مسيرة مملكة «شابة» تنتظرها آمال كبيرة مثلما تواجهها تحديات أكبر، ونايف من رجال الوطن القادرين على تجاوز التحديات بكل أشكالها وألوانها، فهو رجل دولة، و«امبراطور» كبح جماح الإرهاب و«حبس» الدم في عروق القاصدين بالبلاد شراً ووقف مع رجالات الأمن «شوكة في عيون» الضالين المضلين. لا شك في ان قرار تعيين الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، قرار بحجم «وطن»، لوطن مسرج بالرجال.. مفعم بالآمال.. وطن تواجهه تحديات وصعاب.. وطن ينشد الأمن والأمان والاستقرار.. وطن يتكئ على تاريخ مكتوب بالافعال والأقوال. جاء قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز في وقت مهم، ليغلق «القيل والقال»، ويوحّد الرؤى لمواجهة تحديات سياسية وأمنية تواجهها الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، جرّاء تنامي خطر المنظمات الإرهابية وأعمال القرصنة، ومحاولات دول إقليمية وعالمية لاختطاف الأمن والاستقرار من دول المنطقة. أهمية القرار كبيرة، وتوصد الأبواب أمام المتربصين بالسياسة السعودية والطامعين في خلخلة أمن المملكة واستقرارها، خصوصاً الساعين إلى «دق اسفين» في داخل البيت السعودي أو علاقات المملكة بالعالم الخارجي. تواجه المنطقة لحظات مخاض عسيرة، ما يستوجب وجود رجالات مواقف يتصدون للاجندات الاقليمية التي تستهدف دول المنطقة، والمملكة ليست بمنأى عن ذلك، وليست دولة «متقوقعة» على ذاتها أو قراراتها لا تتجاوز حدودها، فخادم الحرمين الشريفين، رجل مؤثر، وهو مَن تبنى ملف المصالحة العربية، وأول زعيم عربي يعترف بأن وهن الأمة وشتات أمرها كان بسبب قادتها، وان آمال الشعوب العربية مبعثرة ومستقبلها مظلم. من المؤكد أن خادم الحرمين الشريفين يدرك أهمية المرحلة الراهنة وخطورتها، ويعرف دور بلاده محورياً واستراتيجياً ودورها العالمي المنشود، وهو ما أكده في خطابه الأخير في مجلس الشورى، الذي أكد فيه أن الانتصار لا يتحقق لأمة تحارب نفسها، والعالم لا يحترم إلا القوي الصابر، لذا أراد أن تسير بلاده في مشاريعها الوطنية برجالات صامدين. في الفترة الأخيرة أجرى خادم الحرمين تعديلات وزارية «جريئة» طاولت قطاعات ووزارات مهمة في المملكة كالتعليم والقضاء والعدل والشورى والمحاكم، ليأتي قراره الأخير بتعيين الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء مكملاً للقرارات الجريئة السابقة، هادفاً من وراء ذلك توزيع المهام القيادية بما يحقق أهداف السياسات السعودية داخلياً، ولتمكينها من مواجهة الأخطار الخارجية. الأمير نايف، شخصية معروفة، يتميز بالصمود والمواقف الحازمة، إذ تصدى بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) للمزاعم الغربية، التي حاولت النيل من السعودية وشعبها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، إذ رفض رفضاً قاطعاً اتهام بلاده بتفريخ الإرهاب، أو وصف شعبها ب «الإرهابي»، مفنّداً تلك الادعاءات بالوثائق والأرقام، وموضحاً ان السعوديين مثلهم مثل الأميركيين يتعرضون للإرهاب. يتصرف الأمير نايف كمسؤول ورجل دولة، ولذا تجد تصريحاته دائماً نقلاً إعلامياً «عابراً للحدود»، وأتذكر من بينها، تصريحاته بأن بلاده ستعامل الغربيين في المطارات السعودية مثل معاملتهم للسعوديين في مطاراتهم، أي «المعاملة بالمثل»، إذ ضجت حينها وسائل إعلام غربية بتلك التصريحات القوية التي تحمل طابع «الندية» وتؤكد المواقف السعودية. اتسم الأمير نايف بالحزم والموضوعية أمام المزاعم التي ساقها «مغرضون» ضد المملكة، ورفض بقوة أية ادعاءات تحاول تصوير السعوديين أو العرب والمسلمين على انهم «إرهابيون»، وظل صامداً و«عين وطن ساهرة»، يحذر وينبه ويحمل صوته في الوقت نفسه نبرة تفاؤل بمستقبل «بلد آمن أمين» على رغم النيات الإرهابية الإجرامية حتى نجح في كبح جماح «فئات ضالة» وما زال يفعل، وفي كل مرة اتحدث إليه أشعر بحجم الهم الكبير الذي يكتنزه من أجل أمن الوطن. الأكيد أن تعيين الأمير نايف يأتي امتداداً لمسيرة النماء والعطاء والولاء التي تسير عليها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز (أعاده الله سالماً معافى لوطن يحبه ويسأل عنه).