لم يعد مجلس التعاون الخليجي حكراً على أهله. تخطى البعد الجغرافي وتجاوز رقعة الحدود ليصبح مؤسسة في مستوى الاتحادات التي تستقطب الاهتمام. كذلك كان الاتحاد الأوروبي يضم بضع دول انفتحت على بعضها في النسق السياسي والتوجهات الاقتصادية، ثم أصبح أقرب إلى اتحاد قارة بأكملها تتمدد شرقاً نحو آسيا. لم يضع الاتحاد الأوروبي معايير الانتساب إليه إلا وفق القيم الكونية في التحرر واحترام حقوق الإنسان وتطابق المصالح. ولا زال في وسع الدول التي تتطلع نحو عضويته أن تقطع المسافة نحو معالم التقدم لتصبح شريكاً كاملاً. لذلك فإن انفتاح مجلس التعاون الخليجي على المغرب والأردن لن يكون نهاية، بل بداية تفاعل في الأدوار والالتزامات وتعميق الصلات. وإذا قورن بالتجربة الأوروبية التي بلغت ذروتها في إقرار العملة الموحدة، فإنه يسير بخطى حثيثة نحو تخفيف أهدافه الكبرى التي لا تنفصل عن القضايا المحورية في العام العربي. التجربة الوحيدة التي صمدت في زمن الحرب كما السلم هي الالتزامات المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي، كونها انبثقت من أرضية الواقع الخليجي، وتنامت وفق شروط التدرج والواقعية والعقلانية. فكانت بذلك نموذجاً مشرقاً، في مقابل انهيار تحالفات سياسية بنيت على الأهواء ونزعات الزعامة. ومكّن هذا التطور دول الخليج من صوت مسموع إقليمياً ودولياً. فقد أرفقت نهضتها الاقتصادية بميل طبيعي وواقعي نحو التنسيق، رغم ما كان يعتري سماءها من غيوم ملبدة في بعض الأحيان. لم تفلح تجارب مماثلة، كما في المنطقة المغاربية، في صنع محاور تقابل التجربة الخليجية. فقد توارى الحلم المغاربي وسط ركام الخلافات السياسية. وظل المغاربيون يتطلعون إلى استنساخ طبعة منقحة للتعاون الخليجي. وجاءت المبادرة في وقتها الملائم لتأكيد أن المملكتين المغربية والأردنية في إمكانها الإفادة من حدث بمواصفات تاريخية. كونها المرة الأولى التي ينفتح فيها المجلس على غير الشركاء الخليجيين. لم تبق الخصوصيات المحلية حاجزاً. ولم تعد الجغرافيا وحدها تتحكم في الانتساب إلى التكتلات السياسية والاقتصادية. فقد ضاقت المسافات أكثر أمام اكتساح العولمة وثورة التكنولوجيا وتأثير أدوات المعرفة المشاعة. وأياً يكن الطابع الذي سيرتديه انضمام المغرب والأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، في صورة شراكة سياسية واقتصادية مفتوحة، فإن تأثيره على المستويين الإقليمي والعربي سيكون إيجابياً. من جهة لأن المجلس يتجه نحو توسيع مجاله السياسي، من خلال انضمام أعضاء جدد وفق معايير وشروط ترجيحية تستند إلى تطابق الاختيارات والأهداف. ومن جهة ثانية، أصبح في إمكان دول غير خليجية أن تواكب هذه التجربة وتنخرط في أبعادها التي راعت دائماً جلب الأمن والاستقرار والتقدم، ما يشكل تحولاً في مسار العلاقات العربية - العربية بصرف النظر عن الضرورات التي حتمت هذا الانفتاح. من قبل جربت دول الخليج على خلفية حرب العراق الثانية إقامة تحالف استراتيجي مع الشريكين العربيين سورية ومصر. وكان البعد الأمني من أبرز الأهداف التي فرضت الانشغال بأمن الدول الخليجية وامتداداته. حدث ذلك في فترة حرب عاصفة. أما اليوم فإن دعوة المغرب والأردن للانضمام إلى المجلس تأتي في غضون التأثيرات الواقعة والمحتملة لمسار الأحداث في الرقعة الخليجية والعربية. ويبدو أن اختيار المغرب، رغم بعد المسافة، دليل إضافي على سلامة هذا التوجه الذي ينهي مقولة عرب الماء وعرب النفط. الظاهر أن دول التعاون الخليجي تنبهت إلى أن بعض المخاطر والصعوبات لا تأتي من ذاتها، وإنما من استمرار حال الفوارق بين المكونات العربية. فقد برز ذلك من خلال انتفاضات الربيع العربي التي جعلت من الهاجس الإنمائي وغياب الديموقراطية والتداول السلمي على السلطة مرجعية محورية. وبالتالي فإنها أسقطت نظرية التمويل على المساعدة والدعم الآتي من وراء البحار، عبر المانحين الأوروبيين والغربيين بعامة. إنها الآن تسلك منهجية المساعدة في التنمية في مثل خطط الإعمار الشهيرة التي تبناها الأميركيون والأوربيون للنهوض بالقارة العجوز في مرحلة ما بعد الحرب الكونية. ينم هذا التطور عن رؤية بعيدة المدى. وفيما يحاول لاعبون من خارج العالم العربي اعتلاء الواجهة عبر تقديم النصح والغوص في ملفات عربية صرفة، اختار الخليجيون أسلوباً هادئاً ورصيناً في بلورة معالم الانشغال بأوضاع العامل العربي. هذه المرة ليس من خلال التركيز على رأب الصدع وتجاوز الخلافات، وإنما عبر تلمس طريق التنمية التي تكفل الاستقرار وتفتح الآفاق. وسيكون لهذا التحول الكبير أثره النافذ، ليس على صعيد المغرب والأردن فقط، بل في اتجاه أوسع على مقدار نجاح التجربة.