لوأن الشيخ العثماني محمد عبدالعزيز الرفاعي (أحد رواد الخط العربي) يعيش عصر الثورة المعلوماتية والطباعة الإلكترونية في الوقت الراهن، لشعر أن ما خطته يده يوماً إنما هو السبيل الأول لأجيال وجدت في «لوحة المفاتيح الرقمية» مخرجاً لمأزق التفنن في الكتابة بأنواع الخط العربي التي باتت أمراً منسياً تمر عليه مقررات اليوم مرور المتعجل، ولو كان يعلم أن ذلك الزمان سينطوي بكل ما فيه من إبداع إنساني فاق ما جلبته الطباعة الآلية اليوم حتماً سيشعر بالأسى لما وصل إليه هذا الفن الراقي. وفي ظل الزخم الإلكتروني، أضحى الخطاط يعيش اليوم حالة من الإفلاس الجماهيري، أبعدته وسائل النسخ الحديثة عن ماضٍ أفنى فيه الرواد منذ العصور القديمة سنوات العمر لكي يجعلوا من الحروف العربية عنواناً للحضارة الإسلامية ورفعة الإنسان العربي والشرقي في ذلك الوقت. وبقدر انتشار «أكشاك» الخطاطين، إلا أنها باتت تعطي انطباعاً يوحي بأن المكان يصارع من أجل البقاء! فالحاجة لهم لم تعد ملحة، ولو قدر لأحدهم الولوج إلى تلك المحال المتواضعة المليئة بروائح الألوان النفاذة فلن يجد نفسه مضطراً لدفع الكثير، إذ إن هناك إجابة تقليدية يطلقها هواة الرسم بالأحرف مفادها «هات ما لديك»، فالتسعيرة تغيب ووضع الشروط ليس من اهتماماتهم لكي تخط أيديهم وكأنها دعوة للجميع ليعودوا إلى فن كتابة الخط العربي. أفتاب عباسي، خطاط قدِم من باكستان تجاوز من العمر نصف قرن أفنى نصفه في امتهان كتابة الخط العربي، يقضي يومه بين كومة من الألواح الخشبية ومكان تسوده الفوضى من كل اتجاه، تفاصيله تشبه إلى حد كبير صورة «تجريدية « تخبر بصمت عن عالمه المليء بالإبداع الفني، اعترف باسماً ل«الحياة»: «إن إقبال الناس على الكمبيوتر واعتمادهم في الكتابة من طريق الكومبيوتر جعل اللجوء إليهم محدوداً جداً وإن الحال ليست كما كانت في السابق» متمنياً أن يعود به الزمن إلى الوراء عندما كان يعمل في إحدى صحف بلاده خطاطاً يقضي جل يومه في كتابة أخبارها بيده التي شاخت وقاومت كل أشكال الحروف والكلمات!، لم يقدر له التعلم في معاهد اختصاصية أو نحو ذلك ولم يعرف يوماً طريق الجامعة، كل ما في الأمر أنه اهتم بجمع الكتب النادرة عن تاريخ الخط العربي وأنواعه التي تعود غالبيتها إلى سلاطين ومبدعين من تركيا ظهروا في مطلع القرن ال20 أمثال السلطان أحمد خان ومصطفى راقم والرفاعي. ولشغفه برسم الخط العربي جال أفتاب في عدد من الدول العربية التقى فيها أناساً ساعدوه على إتقان غالبية أنواع الخطوط العربية واستقرت به الحال في مدينة جدة السعودية، لا يتردد الخطاط الباكستاني في تعليم قاصديه خط الحروف العربية -على حد قوله- وأنه يشعر بالسعادة كثيراً عندما يتردد عليه بعض الشبان من وقت إلى آخر طالبين منه إعطاءهم بعض طرق فنون الخط، إلا أنه -على حد تعبيره - سرعان ما يذهب هؤلاء من دون عودة ولا يكملون مهمة التعلم لأسباب مختلفة، منها الشعور بصعوبة المهمة كونها تتطلب مهارة يدوية لا تتحقق إلا بالتدريب اليومي. ويعشق الخطاط افتاب الشكل «الديواني» و«الثلث» و«النسخ» الذي يرى أنها الأشهر والأكثر طلباً، وأضاف: «عادة ما يحضر أولئك الراغبين في كتابة أسماء المدعوين لمناسباتهم وأفراحهم وبعض طلبة المدارس لرسم لوحة علمية أو نحوها من طريق مثل تلك الأشكال».