لا حاجة لطرح سؤال صحافي، لتقدير حجم الفرحة المتطايرة من وجوه القطريين هذه الأيام، وخصوصاً الشباب منهم. فبالكاد انقضت إجازة عيد الفطر، وعاد الموظفون إلى دوامهم، حتى استقبلتهم مكرمة أميرية، تعلن زيادة «تاريخية» وقياسية في الرواتب، قفز لها عموم القطريين فرحاً. وانطلقت بموازاة القرار نقاشات «عنكبوتية»، عن أحلام جديدة ومشاريع الشباب حول كيفية الاستفادة الأنجع من الزيادة المجزية والمغرية في رواتبهم، والتي لم تمر من دون إثارة «غيرة» المقيمين، وحتى أقرانهم الخليجيين. «سمو الأمير كريم، والشعب القطري يستاهل»، عبارة يرددها كثيرون من القطريين، وزيّنت بها «مانشيتات» الصحف المحلية، مستبشرة بالقرار الأميري الذي وقعه ولي العهد تميم بن حمد آل ثاني، بزيادة 60 في المئة في رواتب القطريين العاملين والمتقاعدين بالقطاع الحكومي، وزيادة بلغت 120 في المئة لكبار الضباط العسكريين، و50 في المئة لبقية الرتب. الشباب القطريون الذين يشكلون غالبية المجتمع القطري، لا يضاهيهم أحد في سعادتهم بتلقي الخبر السعيد، ولو أن أقراناً لهم من العاملين في القطاع الخاص، يسكنهم بعض الحزن، والكثير من الأمل، في انتظار زيادة باتت متوقعة في القريب العاجل. «ألف مبروك... تستاهلون»، عبارة يتردد صداها ووقعها حيثما وليت وجهك، بعد تحية السلام مباشرة، بل إنها تتقدم البرامج الإذاعية والكتابات الصحافية، وأفردت لها الصحف ملاحق كاملة تمتد عشر صفحات تقريباً، لرصد ردود فعل المواطنين. ولكن بعد الاحتفال وتبادل التهنئة، بدأ التفكير في الأهم: ماذا نفعل بالزيادات الجديدة في الرواتب؟ سؤال تلقفته الكثير من المنتديات الإلكترونية، وبينها شبكة الأسهم القطرية، المنبر الأكثر استقطاباً للشباب، والأكثر إثارة لمواضيع اجتماعية. الردود والتعليقات لا تكاد تتوقف ولعل أبرزها تخصيص أحد المجالس الشبابية لقاء خاصاً للحديث عن طموحات الشباب، وتقديم مقترحات حول ما يمكن فعله بالزيادة. وخرج المشاركون بأفكار عدة، أولها الإسراع بتسديد الديون والأقساط المتراكمة عليهم في المصارف، أو التفاوض على إعادة جدولتها، من أجل استعادة حريتهم المالية والانعتاق من حبال القروض التي أحكمت على رقاب كثيرين، بفعل قروض تمتد إلى 20 أو 30 عاماً. وقال شاب إنه يفكر في تخصيص الزيادة المجزية لشراء شقة في «مجمع اللؤلؤة» الفاخر، عبر تسديد أقساط تمكنه من امتلاك بيت أحلامه خلال بضعة أعوام في منطقة لا يقطنها إلا رجال الأعمال ونجوم الإعلام وموظفو الشركات العملاقة والأجانب من الأوروبيين والأميركيين. واقترح شاب آخر فتح حساب ثانٍ لتوفير الزيادات وادخار مبلغ معتبر يمكنه من بدء مشروعه الخاص في غضون سنوات قليلة. ولكن بعيداً من المشاريع المربحة مادياً، نصح البعض أقرانهم بتخصيص جزء من الزيادة في الراتب للتصدق ورعاية الأيتام، وتقاسم ما أمكن مع العائلة، وتخصيص جزء لقضاء إجازة الصيف، بدل الاتكال على الاستدانة من المصارف في مواسم الإجازات، كما يفعل كثيرون. وفي الطريق لتحقيق المشاريع الجديدة، يبرز أيضاً هاجس غلاء المعيشة في صدارة التحديات والهواجس التي تحكم أحلام فئة عريضة من الشباب القطريين، والمجتمع بصفة عامة. فعلى رغم أن مستوى دخل الفرد في قطر هو من الأعلى عالمياً، لا يخفي القطريون شكواهم المستمرة من غلاء الأسعار، ما يجعل كثيرين رهن الاستدانة والاقتراض من المصارف لتحقيق حلم الزواج، والسفر، وغيرها من المشاريع الشخصية. وفي الوقت نفسه لم يتأخر كثيرون في إبداء مخاوفهم من جشع التجار، واحتمال استغلال الزيادات لرفع الأسعار، ما جعل المنتديات الشبابية تستغل فضاء الإنترنت ورسائل الموبايل لتوجه نداء إلى إدارة المستهلك لتشديد الرقابة على التجار، وتوخي الحرص والرقابة الصارمة. ولعل أكثر من يخشى ارتفاع الأسعار بفعل زيادة الرواتب المقيمون الذين يبدو أن الحسرة تسكن غالبيتهم. فهم متنازعون بين حزن على ظروف أوطان دفعتهم إلى الهجرة قسراً، وترقب غلاء معيشة سيكونون أكبر المتضررين منه. ولكن لكي تكتمل فرحة موظفي القطاع العام، بادر كثيرون منهم للمطالبة بتعميم الزيادة على مواطنيهم في القطاع الخاص. وعلّقت مشاركة في «فايسبوك» قائلة: «الأذكياء من أصحاب المؤسسات الخاصة سيتخذون قرارات بتعديل أوضاع القطريين العاملين لديهم وزيادة رواتبهم ولو بنسبة تقل عن نصف النسبة التي منحتها الدولة لموظفيها، لما في ذلك من إيجابيات عدة على العمل».