عندما سيقصّ علينا الليبيون في السنوات المقبلة حقيقة ما حصل في ليبيا لدى تحريرها على أيديهم عام 2011، لا شكّ في أننا سنكتشف أن جهاز الاستخبارات السرية البريطانية (إم آي 6) اضطلع بدور مهم في هذه المسألة. كان رئيس ال إم آي 6 للسنتين الماضيتين الديبلوماسيّ البريطانيّ المعروف جداً في العالم العربي السير جون سويرز. وهو شغل منصباً ثانوياً في صنعاء ودمشق، وبين عامي 2001 و2003 كان سفيراً لدى مصر، وهذا أحد أهم منصبين في الشرق الأوسط بالنسبة إلى بريطانيا. وقد أقام في سفارته الجميلة الواقعة على ضفاف النيل، اللورد كتشتنر من الخرطوم وذلك مطلع القرن العشرين. في صيف 2003، أرسل رئيس الوزراء توني بلير السير جون إلى بغداد حيث عمل في ظروف غير عادية من الخطر وانعدام الراحة، ولكن أيضاً من الترف، في قصر رئاسي سابق. كان لقبه نائب رئيس سلطة الائتلاف الموقتة. برأيي كان نائب حاكم العراق، تحت إمرة بول بريمر، حتى لو لم يكن من غير اللائق قول هذا في ذلك الوقت. لقد ارهبه ما اختبره في بغداد لدى وصوله، وأرسل تقارير شديدة اللهجة إلى 10 داونينغ ستريت، مقرّ رئيس الوزراء. وأصبحت هذه التقارير وثائق عامة لاحقاً وهي تتناول خطط أميركا لما بعد الحرب - أو انعدام وجود خطط - من أجل تحقيق الديموقراطيّة بين 25 مليون عراقي. وكان رأيه أن الإدارة الأميركية كانت عبارة عن «فوضى غير معقولة» وأنه وجد أن «لا قيادة ولا استراتيجية ولا تنسيق ولا هيكلية» فيها. وقد حذر من أن «الوقت يمرّ». وفي مقابلة تميّزت بصراحة لافتة أجرتها معه صحيفة بريطانية، أشار إلى أنه في العراق «مقاومة فطريّة لفكرة الاحتلال». في العام 1993، كان سويرز المساعد الخاص الرئيسي لدوغلاس هيرد، وزير الخارجية البريطاني حينذاك، وقد رأيت القليل من السير جون في ذلك الوقت وأثار إعجابي. ولا شك في أنّ دوغلاس هيرد كان يتفق معه جيداً كما كان معجباً بسحره وطاقته وحكمته. ولا يفاجئني أنه بعد جامعة نوتنغهام، حيث درس الفيزياء والفلسفة، وجامعة هارفرد، بدأ مسيرته المهنية في صفوف الاستخبارات السرية البريطانية. وعندما أُعلن تعيينه رئيساً لل إم آي 6، قال وزير الخارجية آنذاك ديفيد ميليباند: «يعني الإرهاب العالمي وانتشار أسلحة الدمار الشامل وتزايد الصراعات الإقليمية وعدم الاستقرار أنه لم يسبق أن كانت مهارات وكالات الاستخبارات التابعة لنا ضرورية أكثر من أجل ضمان أمننا القومي وسلامة مواطنينا حول العالم». كانت ليبيا لسنوات عدة بلداً مهماً بالنسبة إلى ال أم آي 6. فالشحنات التي أرسلتها ليبيا إلى الجيش الجمهوري الإرلندي في إرلندا الشمالية، والتي حملت أسلحة عديدة ومتفجرات - بما فيها السيمتيكس، المادة البلاستيكية المتفجرة التي لا رائحة لها - مددت حياة الجيش الجمهوري الإرلندي وأدّت إلى موت الكثيرين في إرلندا الشماليّة وفي بريطانيا. ومن المعروف أنّ ال أم آي 6 لعبت دوراً أساسياً عندما قرّر العقيد معمر القذافي نزع أسلحة الدمار الشامل التي كان يملكها. وقد اتّضح أنّ هذه الأسلحة لا تزال في مرحلة مبكرة جداً من التطوير. وهي لم تكن أسلحة بل أدوات لصنع الأسلحة، وقد نُقلت بحراً إلى الولاياتالمتحدة الأميركية. ولستة أشهر، كانت ال إم آي 6 تعمل بجدّ لتحرص على أنّ النفط الليبي والمال الذي يحصده في الخارج يعودان إلى المجلس الانتقالي الوطني في بنغازي وليس إلى القذافي في طرابلس. ولا نعلم حتى الآن كم كانت ال إم آي 6 ناجحة في هذه المهمة، ولكنها احتاجت بلا شك إلى استخبارات ممتازة وإلى مهارات ديبلوماسية وتجارية عالية. وينقل الإعلام البريطاني إخفاقات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية البريطانية - عندما تصبح المعلومات متوافرة - ولكننا نعلم ونسمع بنجاحات هذه الأجهزة بشكل أقل، لأسباب واضحة. وتبقى معلومات ال إم آي 6 حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، في أذهان الجماهير. فيما ويتمّ تجاهل أو نسيان قصة الرعب الذي أمكن التخلص منه. يقلق الرأي العام من أقوال تفيد بأن ال إم آي 6 حصلت على معلومات استخباراتية بعدما خضع الإرهابيون المزعومون للتعذيب على أيدي ال سي آي إي (وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية) أو بلدان أخرى اتصلت بها ال سي آي إي، بما فيها ليبيا. وقد قال السير جون لجمعية المحررين عام 2010: «التعذيب غير شرعي ومكروه مهما كانت الظروف وليست لنا أي علاقة به. وإذا كنا نعلم أن أي خطوة نتخذها سوف تؤدي إلى تعذيب أحدهم، فنحن مجبرون بموجب القانون البريطاني والدولي على أن نتفادى اتخاذ تلك الخطوة». وبما أنه أمضى معظم حياته المهنية خارج ال إم آي 6، فلا بدّ من أنّ العاملين فيها قد اعتبروه رئيساً جديداً سوف يغيّر الوضع القائم. وأنا أعطيه علامة عالية جداً، فقد أضاف إلى مهمة رئيس جهاز الاستخبارات خبرة واسعة في الميدان الدولي في مستهل هذا القرن الجديد. وأكثر ما يحتاجه في هذه المرحلة هو الحظ. * سياسي بريطاني، نائب سابق