صباح اليوم يُقلّد ملك إسبانيا خوان كارلوس ابنه الأمير فيليبي وشاح القائد الأعلى للقوات المسلّحة، قبل أن يتوجّه الأخير برفقة زوجته ووالدته الملكة صوفيا وشقيقته الكبرى الأميرة إيلينا وخالتيه ليُعلن ملكاً في البرلمان، الذي شهد منذ 39 سنة انتقال السلطة إلى والده من الجنرال فرانكو. لن يحضر خوان كارلوس حفلة تنصيب ابنه، الذي ستغيب عنه أيضاً الشقيقة الصغرى لفيليبي الأميرة كريستينا وزوجها إينياكي أوردانغارين، بسبب ضلوعهما في فضيحة فساد مالي، وكذلك ممثلو العائلات المالكة في أوروبا. وستكون الاحتفالات على درجة عالية من التقشّف بسبب الأزمة الاقتصادية الضاغطة، والأجواء السياسية المتوترة في ظل إصرار إقليم كاتالونيا على الانفصال. بعد خطاب القسم يتوجّه العاهل الإسباني الجديد برفقة زوجته الملكة ليتيزيا إلى قصر الشرق الملكي، حيث يرأس احتفالاً في بهو الأعمدة الذي انعقد فيه مؤتمر السلام بين العرب والإسرائيليين خريف العام 1991، ليبدأ بعد ذلك بمواجهة الاختبار العسير الذي يستعدّ له منذ أربعة عقود. خلال محاولة الانقلاب العسكري في 23 شباط (فبراير) 1981، أمر الملك خوان كارلوس ابنه الأمير فيليبي الذي كان في ال13 من العمر، أن يبقى بجانبه طوال الليل وهو يتابع الأحداث ويجري اتصالات مع أقرب معاونيه، في أخطر امتحان واجهته الديموقراطية الإسبانية. وحين حاول فيليبي الاستفسار من والده عما يجري، أجاب الملك قبل انجلاء مصير المحاولة الانقلابية: «حين تكون الكرة في الهواء لا أحد يعرف أين ستقع. هذا ما يحصل الآن بالنسبة إلى الملكية، إنها في الهواء، وسأبذل ما في وسعي كي تقع في المكان الصحيح». قد لا تكون الملكية الإسبانية اليوم في الهواء، لكنها قطعاً ليست في وضع مستقر، بعدما تعرّضت لاهتزازات متعاقبة في السنوات الأخيرة. والملك الجديد يعرف أنه سيحتاج إلى مشورة والده المخضرم، الذي أعطى بفضل حنكته وجاذبية أسلوبه الشخصي، المؤسسةَ الملكية شرعيةً لم تكن تتمتع بها في بداياتها، ودوراً تجاوز بكثير ما تلحظه دساتير الملكيات البرلمانية. لكن اللاعبين تغيّروا كما تغيّرت قواعد اللعبة، والملك الجديد مطالب بإنجازات كان الوالد المجرّب عاجزاً عن تحقيقها، وفي مقدّمها استعادة شرعية المؤسسة الملكية التي تناهضها مشاعر متأصلة في التاريخ الإسباني منذ قرون. يطلّ فيليبي السادس على مواطنيه ومعه سجل شخصي ومهني نقي، وسنوات من الإعداد المكثّف والخبرة في الميادين السياسية والعسكرية. يتقن خمس لغات، ويزاول رياضات عدة، وينوب عن والده بانتظام منذ سنوات في احتفالات وطنية ودولية أعلن فيها مواقف متقدّمة حول شفافية الإدارة ومساءلة الحكام، وبينهم أفراد العائلة المالكة، ومحاربة الفساد وإعطاء أولوية مطلقة للعاطلين من العمل والمجموعات الفقيرة والضعيفة. لكن العاهل الشاب يعرف أن المواقف المتقدّمة وحدها لن تكون كافية لإنهاض بلد مصاب في معنوياته، تتجاذبه نزعات انفصالية تهدد تماسكه، لا بل وحدته، ويرزح تحت معدّلات بطالة قياسية، فيما تنهار صدقية أحزابه ومؤسساته الحاكمة.