أسبوع مرّ على جريمة قتل الطفل السوري محمد نضال الخولي في بلدة حلبا العكارية شمال لبنان. وقد هزّت هذه الجريمة المجتمع اللبناني، بعدما وجد الطفل محمد مقتولاً ومرمياً في حاوية نفايات إثر تعرّضه لاعتداء جنسي، وتبيّن أنّ القاتل شاب لبناني قاصر اعترف بتعاطي المخدرات، وهناك متهمان آخران مشتبه بهما في الجريمة أيضاً. وعلى رغم أنّ الطفل محمد تحوّل إلى حديث المجتمع بعد تمثيل القاصر جريمته، فسرعان ما تلاشى الموضوع بين سائر المواضيع والأزمات المحلية، ليصبح محمد إسماً يُضاف إلى لائحة الأطفال السوريين الذين يعيشون أفظع أنواع العنف والكوارث الإنسانية التي تجعل بعض الأهالي وحتّى الأطفال يتمنون لو أنّهم ماتوا تحت القصف في بلادهم ولم يعيشوا المذلّة في لبنان. والتغطية الإعلامية التي نالتها الجريمة التي ارتكبت بحقّ محمد كانت ضخمة، وكأنّها المرّة الاولى التي يحدث فيها مثل هذا التعنيف لطفل سوري نزح إلى لبنان. لكنّها ليست كذلك أبداً، ففي بداية السنة الحالية اكتشف أن الطفل محمد نور (4 سنوات) تعرّض للاغتصاب مراراً من جانب عامل سوري يعمل لدى والده، وقد هدده في حال أخبر أباه. وقضية محمد هي أيضاً من القضايا التي كُشفت، لكن غيرها عشرات من القضايا التي لا تزال تُخفى في خبايا خيم النازحين وفي الأزقة الضيّقة لبيروت وضواحيها، حيث يتعرّض الأطفال القادمون للعمل سواء عبر بيع العلكة أو الأزهار وغيرها إلى أفظع أنواع العنف من ضرب واغتصاب. وفي معلومات ل «الحياة»، فإنّ الأمور تتجه إلى ما هو أكثر من التعنيف، حيث تسلّمت إحدى الجمعيات الأهلية في بيروت طفلاً خدّر ونقل إلى شاحنة مقفلة بهدف سرقة كليته، وكادت أن تحصل «السرقة» لو لم تتنبه مجموعة من الشبّان إلى ما يحدث في الشارع فتنقذ الطفل قبل أن تبدأ عملية الاستئصال. تحذيرات كثيرة ولكن... أكثر من 400 ألف طفل سوري يحتاجون اليوم وأكثر من أي وقت إلى حلول جذرية لوضعهم بعدما أضحوا فرائس لعصابات المخدّرات وتجارة الأعضاء وشبكات الجنس المنتشرة في مناطق لبنانية كثيرة. والسبب الرئيس وراء ذلك كما يوضح مدير الإعلام الإقليمي في منظّمة الأممالمتحدة «يونيسيف» سايمون إنغرام أنّ الأسر السورية لم تعد قادرة على إعالة أطفالها فتدفعهم إلى سوق العمل حيث يواجهون تحدّيات كثيرة كسوء التغذية، البرد، الأمراض، إضافة إلى مشاكل أكبر كالتعنيف. ويحذّر إنغرام من تفاقم سوء أحوال أطفال اللاجئين السوريين كلّما طالت الأزمة في بلادهم، خصوصاً أنّهم الفئة الأكثر تضرّراً. لكن مثل هذا التحذير لا يلقى أي آذان صاغية في الشارع حيث يُترك الأطفال السوريون لمصائرهم المجهولة، مع اضطرارهم الى التنقّل بين النوادي الليلية والحانات بهدف استعطاف الساهرين ومحاولة بيع ما يحملونه من بضاعة. ويخبر الطفل أنور (7 سنوات)، كيف تعرّض في إحدى الليالي إلى ضرب بالسكين من مجموعة تسوّل اعتبرت أنّه يعمل ضمن مساحتها الخاصة، وتركته ينزف على الطريق إلى حين مرور سائق سيارة أجرة حمله إلى المستشفى وبلّغ قوى الأمن بما حدث. وقد ضمدت جراح أنور ليعود بعد ثلاثة أيام فقط إلى الشارع بحثاً عن لقمة العيش. ومثل هذه الحوادث يحصل يومياً مع غياب أي حماية للأطفال، فيعيشون الخوف في كلّ لحظة متمنين أن يعودوا الى منازلهم في نهاية اليوم، فيما تستفيد قلّة منهم من الخدمات المدرسية المجانية التي يضطرون الى التغيّب عنها أحياناً كثيرة بسبب الحاجة الى العمل. محاولات لإنقاذ الطفولة حماية أولاد الأسر السورية الفقيرة في لبنان من جانب السلطات الحكومية تكون دائماً عبر خطوات لاحقة، أي بعد أن تكون المصيبة قد تمّت سواء الاغتصاب أو التعنيف، هذا في حال كان هناك تحرّك، ولكن لا خطوات استباقية تنتشلهم من الواقع المزري الذي يعيشونه. ولتعويض هذا الفراغ، تحاول جمعيات أهلية أن تطلق مبادرات لإنقاذ ما تبقّى من طفولة هؤلاء الأولاد ومنها جمعية «دار الأمل» التي تعتني بالأطفال المهملين وجمعية «سوا» التي تنظّم نشاطات ترفيهية، وتحاول أن تعيد أجواء الفرحة الى الأطفال. وبعد جريمة قتل الطفل محمد الخولي، تداعت جمعيات كثيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للعمل على مبادرات أكبر تهدف الى الحدّ من العنف الذي يتعرّض له الأطفال السوريون في لبنان. إلا أنّ الناشطة المدنية والمستشارة الاجتماعية رنا شهوان ترى أنّ الحلّ يحتاج إلى أكثر من مبادرات أهلية، لأنّ المشكلة أمنية، وهناك عصابات وجماعات تتربّص بالأطفال الذين يحاولون إعالة أسرهم. فيمكن الجمعيات أن تؤمّن بعض لحظات الفرح للأطفال، لكن يصعب عليها أن تحتضنهم كلّهم بسبب عددهم الكبير وصعوبة تأمين الحاجات الأساسية للأهل الذين يرسلون أطفالهم إلى الشوارع أو لا يستطيعون حمايتهم بالقدر المطلوب من المتربصين بهم. وتطالب شهوان أولاً بإنزال أقصى العقوبات بكلّ من يثبت تورّطه في جريمة تمسّ أي طفل، سواء كان لبنانياً أو سورياً أو أي جنسية أخرى، لكي يكون درساً للآخرين. من جهة ثانية، ترى المستشارة الاجتماعية أنّ الدولة تلقي بمسؤولياتها على الجمعيات الأهلية التي لا تستطيع حماية الأطفال في الشوارع، بل تؤمّن لهم الخدمات اللازمة حين يلجأون اليها، فيما الحاجة ماسة الى معالجة الموضوع من خلال التعاون مع المنظّمات الدولية لتأمين الحاجات الأساسية وسبل العيش للأسر السورية لئلا تضطر الى التضحية بأطفالها لجني لقمة العيش.