النوم ضرورة حيوية لأنه يساعد على تجديد الطاقة الجسدية والعقلية. وعدم الحصول على ما يكفي من النوم يوقع الإنسان في جملة من المطبات السلبية التي تترك آثارها على مختلف اعضاء الجسم، خصوصاً الجهاز العصبي الذي تصدر عنه أفعال وردود أفعال غالباً ما تكون غير مناسبة، لا في الزمان ولا في المكان. وتعتبر قلة النوم من أهم المشاكل الصحية المنتشرة في العالم سواء في الدول الغنية أو الفقيرة، والأسباب المؤدية إليها كثيرة ومتشعبة، منها العضوية ومنها النفسية ومنها الخارجية المنشأ نتيجة تغيير نمط الحياة والسفر وتبدل مكان النوم وغيرها. وفي كثير من الأحيان يلقى اللوم على مادة الكافئين الموجودة في القهوة التي تقف وراء مشكلة قلة النوم، غير ان هذه التهمة قد تكون صحيحة لدى البعض ولكنها ليست كذلك عند آخرين، والسر يرجع الى اختلاف تأثير هذه المادة بحسب طبيعة الأجسام، فهناك من يشرب فنجاناً واحداً من القهوة فيعاني من الأرق وقلة النوم، بينما هناك آخرون يشربون فناجين عدة من دون أن يتأثروا. وقلة النوم تنعكس في شكل مباشر على تصرفات الشخص الذي تصبح طباعه حادة تتسم بالعصبية وردود الفعل العنيفة الى جانب الشرود وقلة التركيز وتشتت الانتباه والشعور المستمر بالتعب وقلة النشاط والحيوية. وفي ما يأتي بعض المشاكل التي يمكن ان تنتج من قلة النوم: تؤدي قلة النوم الى ضعف أداء المخ، وفي هذا الإطار اوضحت دراسة أُعدت في سنغافورة على مجموعة شبان تتراوح اعمارهم من 19 الى 24 عاماً ان ردود افعالهم تماثل تلك التي رُصدت عند المسنين الذين قاموا بنشاطات ذهنية مماثلة تتعلق بالذاكرة. قلة النوم تؤدي الى انخفاض كبير في كفاءة الجهاز المناعي، الأمر الذي يزيد من خطر هجوم الميكروبات التي تتربص بالجسم شراً وبالتالي سهولة الإصابة بالالتهابات. وفي تجربة أجراها باحثون اميركيون على الفئران ادى حرمانها من النوم الى تعرضها الى التهابات شديدة قادت الى هلاكها بعد حين. ان نوع الوجبة المسائية قد يكون سبباً لقلة النوم، فهناك أطعمة مشهورة، خصوصاً الدسمة منها، بأنها تسبب التلبكات الهضمية والغازات، وهذه تقود الى حدوث يقظات متكررة من شأنها ان تحد من الفترة الطبيعية التي يحتاجها الشخص للنوم. هناك علاقة قوية بين قلة النوم وخطر التعرض لأمراض القلب، فبحسب دراسة نشرت في دورية رسالة جامعة هارفارد للقلب، فإن الشخص الذي لا ينال قسطاً كافياً من النوم هو اكثر تعرضاً لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والنوبات القلبية والدماغية. ويعيد العلماء هذا الأمر الى آلية التهابية تحدث بنتيجتها زيادة في البروتين التفاعلي سي الذي يؤثر بدوره في الجهاز العصبي. وفي دراسة اميركية اخرى نشرت أخيراً في مجلة «الجمعية الطبية الأميركية»، تبين ان هناك علاقة ما بين قلة النوم وترسب الكالسيوم في الأوعية الدموية، وعلى هذا الصعيد كشفت الدراسة ان كل ساعة يخسرها المرء من فترة نومه يزداد فيها تراكم الكالسيوم بنسبة 16 في المئة مقارنة بالأوقات العادية، ما يشجع على تفكك الصفائح الشريانية التي تكون السبب في اثارة الأزمات القلبية. وفي معرض تعليقها على الدراسة قالت الباحثة دياما لودوردال استاذة العلوم الصحية في جامعة شيكاغو ان النتائج التي تم التوصل اليها كانت مفاجئة ولم تتوقع ان تكون بهذا الوضوح. اما عن تفسير وجود العلاقة بين الكالسيوم والأزمات القلبية، فهناك من طرح فرضية فحواها ان تراجع ساعات النوم يرفع من مستوى هورمون الكورتيزون في الدم فيشعل فتيل الإصابة الالتهابية وما ينتج منها من تفكك للصفائح الشريانية، غير ان آخرين يطرحون نظرية مفادها ان التباينات في ارقام ضغط الدم هي التي تقف خلف هذه الظاهرة. وكانت دراسة يابانية أظهرت ان الذين ينامون اقل من خمس ساعات في الليلة الواحدة هم اكثر عرضة للنوبة القلبية بمرتين مقارنة مع الذين ينعمون بسلطان النوم لمدة ثماني ساعات في كل ليلة. هناك من وجد رابطاً ما بين النوم ساعات قليلة كل يوم وخطر الإصابة بالداء السكري، وقد تبين ان هؤلاء يملكون مقاومة أكبر تجاه هورمون الأنسولين المنظم لسكر الدم مقارنة بآخرين ينامون لمدة 8 ساعات. ان مقاومة الأنسولين هي الحالة التي تضعف فيها استجابة الخلايا لهذا الهورمون، الأمر الذي يؤدي الى فرط في افرازه وما ينتج منه من اضطرابات، من بينها الإصابة بالداء السكري النوع الثاني. ان قلة النوم عند كبار السن كثيراً ما تعتبر امراً طبيعياً بسبب الشيخوخة، صحيح ان النوم يتدهور كلما توغل الشخص في العمر، ولكن الشيخوخة ليست السبب الرئيس، فهناك الأمراض والأدوية التي توصف لمعالجة هذه الامراض. ان عدد ساعات النوم لا يتغير مع التقدم في العمر، وكل ما في الأمر ان نسبة كل مرحلة من مراحل النوم هي التي تتبدل كلما غاص الشخص في بحر الشيخوخة. المعروف ان النوم يتألف من خمس مراحل تمثل فيه الثالثة والرابعة فترة النوم العميق، وما يحصل انه عند بلوغ الرجل مشارف الخمسين والمرأة مشارف الستين تقل فترات النوم العميق، لهذا يغدو النوم خفيفاً ومتقطعاً، وبالتالي فإن كبار السن يصبحون أسرع استيقاظاً بفعل الضوضاء الخارجية اسوة بغيرهم من صغار السن. ان قلة النوم لا تؤثر في الكبار فقط، بل في الأطفال والمراهقين، وفي هذا الإطار أظهرت دراسة نشرت في مجلة ارشيف طب الأطفال والمراهقين ان قلة النوم عند الأطفال قد تكون عاملاً مشجعاً على اصابتهم بالسمنة لأنها تخلق بلبلة على صعيد الهورمونات التي تتحكم في ضبط الشهية كما تؤثر سلباً في عملية التمثيل الغذائي وفي نشاطهم وعاداتهم. ايضاً تجعل قلة النوم، الأطفال متقلبي المزاج وتؤثر في انتباههم ومقدرتهم على استيعاب الدروس. ولا يغيب عن الذهن البحث عن قلة النوم عندما يعاني الطفل من اضطرابات سلوكية. ان قلة النوم تسبب الإرهاق الذي غالباً ما يكون العامل الأبرز في الشجارات والمشاكل سواء في البيت أو في العمل. ان قلة النوم تدفع كثيرين الى المبالغة في التدخين والى استهلاك المزيد من المشروبات المنبهة من اجل البقاء مستيقظين خلال فترة النهار. في المختصر، ان النوم ضرورة من ضرورات الحياة لأنه صمام الأمان للصحة ككل، ومما لا شك فيه ان هناك عوامل شخصية وبيئية تؤثر في النوم في شكل مباشر او غير مباشر، والمهم في الأمر ان يحصل الشخص على قسط كاف من النوم الليلي الجيد الذي يسمح بشحذ كل طاقات الجسم البدنية والعقلية، ولكن مهلاً فقد يخطر في بال البعض ان ينام اكثر ظناً منه ان هذا الأمر أكثر فائدة له ولكن هيهات ان يكون كذلك، فقد تبين ان الأشخاض الذين ينامون اكثر من تسع ساعات في الليلة الواحدة هم اكثر عرضة لخطر الوفاة مقارنة بالذين يحافظون على المعدل الطبيعي للنوم والذي يقع بين 6 و 8 ساعات يومياً، وعلى هذا الصعيد صدق كلام الخيام في اغنية ام كلثوم عندما قال: وما اطال النوم عمراً. اما الشق الثاني الذي يقول: وما قصر في الأعمار طول السهر، فهو كلام صالح للشعر فقط. [email protected]