يبدو أن الفقر وسوء التغذية ظاهرتان عالميتان، لا لون لهما ولا لغة ولا هوية، بمعنى أن انتشارهما يصيب البلدان النامية والمتقدمة وإن بنسب متفاوتة، وكل منهما علة لوجود الأخرى، وهما متلازمتان سلباً وإيجاباً، فكلما ارتفع معدل الفقر أو انخفض، صاحَبَه ارتفاع أو انخفاض مماثل في سوء التغذية والعكس بالعكس. في هذا السياق، صدرت أخيراً دراسة أميركية عن مؤسسة «آني كيزي –Annie E. Casey» المعنية بالطفولة، وتوقفت عند مقاييس وبواعث مؤدية إلى الفقر وسوء التغذية ومدى آثارهما السلبية على حياة الأطفال الأميركيين حاضراً ومستقبلاً. وتحدِّد الدراسة بعض جوانب المعاناة، التي تتمثل ب «الحرمان الشديد في اثنتين أو أكثر من الحاجات الأساسية للحياة في مجالات الغذاء، المياه النقية، الصرف الصحي، الصحة، المسكن، التعليم والمعلومات». وكشفت الدراسة أن عدد الأطفال الفقراء في الولاياتالمتحدة بلغ هذا العام 14.7 مليون طفل. وارتفعت نسبة الفقر بين عامي 2000 و2011 من 17 إلى 20 في المئة، وشملت خلال هذه الفترة 38 ولاية بنسب تراوحت بين 11 و25 في المئة. وتشير الدراسة أيضاً إلى أن 42 في المئة من الأطفال يولدون فقراء ويبقون على هذه الحال حتى سن البلوغ، وأن 19 في المئة منهم يفتقرون إلى التأمينات الصحية الضرورية. وتربط الدراسة مجمل هذه المعدلات التي تظهر «للمرة الأولى»، بحال الركود الاقتصادي وأزمة الرهونات العقارية اللتين عانت منهما أميركا في السنوات الأخيرة، وارتداداتهما المدمرة على شرائح واسعة من أرباب الأسر ذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل والمستفيدين من المساعدات الاجتماعية. كما أشارت الدراسة إلى أن حوالى 195 مليون طفل يتعرضون لسوء التغذية في العالم، وان الدول المتقدمة ليست في منأى عن هذه الظاهرة وإن كانت أفضل حالاً من البلدان المتخلفة، فأطفال الولاياتالمتحدة، الدولة الأغنى في العالم، يعانون من سوء التغذية بنسبة 9 في المئة، تلي ألمانيا (8.4 في المئة) وفرنسا (7.5 في المئة) والبلدان الإسكندنافية (أقل من 5 في المئة). وتسترشد الدراسة بأقسام الطوارئ في المستشفيات الاميركية، إذ تشير إلى أن مستشفى بوسطن عالج عام 2007 حوالى 12 في المئة من الأطفال دون سن الثالثة كانوا يشكون من هزالة أجسامهم نتيجة عدم توافر الأطعمة اللازمة لنموهم. أما الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم سنة واحدة، فقد عانوا من نقص في أوزانهم من 12 كلغ إلى 9 كلغ. وزادت نسبة هؤلاء من 18 في المئة عام 2007 إلى 28 في المئة عام 2010 بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وجمود الأجور وعجز العائلات الفقيرة عن تأمين وجبات غذائية متوازنة. وتؤكد الدراسة أن واحداً من ستة أطفال يتعرض الى خطر المجاعة الناجم عن تراجع برامج الطعام المجانية التي يستحقها حوالى 60 في المئة من العائلات الأميركية. كما تشير تقارير أطباء مستشفى بوسطن، إلى أنه إذا استمرت معدلات سوء التغذية في الارتفاع وعدم حصول الأطفال على غذاء متوازن وآمن، فإن أوزانهم ستنخفض بالنسبة لأعمارهم ويتأخر نموهم العقلي والجسدي والنفسي، ويتعرضون لأمراض خطرة قد تودي بحياتهم باكراً.