تباعدت مواقف «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم في السودان وشركائه في «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في شأن القضايا العالقة في اتفاق السلام بينهما، خلال محادثاتهما الجارية في واشنطن، ما دفع المبعوث الرئاسي الأميركي إلى السودان سكوت غرايشن إلى طرح 5 اقتراحات لتجاوز عقبة الخلاف على نتائج التعداد السكاني الذي يرفض الجنوبيون الاعتراف به، ما يهدد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة العام المقبل. وعُلم أن غرايشن الذي يرعى محادثات بين طرفي السلام في واشنطن اقترح اعتماد النسب الواردة في اتفاق نيفاشا للسلام الذي وقّعه الطرفات في العام 2005، أي اعتبار سكان إقليمالجنوب 28 في المئة، وليس 22 في المئة كما أظهرت نتائج التعداد السكاني. لكن «المؤتمر الوطني» رفض ذلك، كما رفضت «الحركة الشعبية» اقتراحاً آخر بقبول نتائج التعداد في مقابل تقديم «المؤتمر الوطني» تنازلات في قضايا أخرى. وأكدت مصادر قريبة من المحادثات أن الطرفين فرغا من مناقشة ست نقاط عالقة تتصل بإجراء استفتاء لتقرير مصير الجنوب في العام 2011، وخطوات التحول الديموقراطي وترتيبات الانتخابات وترسيم الحدود بين شمال البلاد وجنوبها، إلى جانب نتائج الإحصاء السكاني. وأشارت إلى أن هناك «تقدماً ملحوظاً»، متوقعة التوصل إلى تفاهمات قبل عقد ملتقى تنشيط ودعم السلام في السودان غداً بمشاركة 32 دولة ومنظمة. وشدد مستشار الرئيس رئيس وفد «المؤتمر الوطني» إلى محادثات واشنطن غازي صلاح الدين على أن حزبه «لديه إرادة لتسوية المسائل العالقة». وقال في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي في الخرطوم أمس، إن محادثات الجانبين تناقش القضايا التي سبق درسها في الخرطوم، ورأى أن الجديد هو مناقشتها بدعوة أميركية. أما الناطق باسم «الحركة الشعبية» ياسر عرمان، فقال إن الدعوة إلى محادثات واشنطن جاءت في وقت اتسعت فيه هوة الخلافات بين شريكي الحكم تجاه القضايا العالقة في اتفاق السلام والتحول الديموقراطي، معرباً عن أمله في أن تسهم محادثاتهما في حل المسائل العالقة، وتسريع تسوية أزمة دارفور. وكشفت تقارير في الخرطوم أمس أن «الحركة الشعبية» تعتزم إجراء تعديل جزئي على حصتها في الحكومة الاتحادية، تشمل وزارات شؤون مجلس الوزراء والخارجية والشؤون الإنسانية. وحسب ما تسرب، فإن حقيبة الخارجية ستؤول إلى وزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء كوستا مانيبي الذي سيخلفه وزير شؤون رئاسة حكومة الجنوب لوكا بيونق، وسينتقل وزير الخارجية دينق ألور إلى جوبا ليحل محل بيونق. إلى ذلك، أكد وزير الدولة للثقافة والشباب الدكتور أمين حسن عمر الذي ترأس وفد الحكومة السودانية إلى محادثات سلام دارفور في الدوحة، أن المفاوضات ستستمر مع الفصائل المسلحة، موضحاً أن تعليق التفاوض سيكون مع «حركة العدل والمساواة». وأشار إلى أن الحركة طلبت مهلة للتدبر في شأنها واتخاذ قرار في شأن المفاوضات. وأبدى استعداد الحكومة للتفاوض في شأن جميع المسائل المتعلقة بدارفور والتوصل إلى اتفاق ينهي معاناة سكان الإقليم. ورفض عقب عودته إلى الخرطوم وصف الجولة المنتهية في الدوحة بأنها فاشلة. وقال إنها «كانت فقط تفتقد إلى الإرادة السياسية من قبل حركة العدل والمساواة». وتوقع ان ينفذ المتمردون هجمات عسكرية خلال الشهرين المقبلين. وأضاف: «عودونا على مغامرات مع نهاية كل جولة محادثات». وأفاد أن المحادثات التى استمرت ثلاثة أسابيع في الدوحة لم تبحث في القضايا الأساسية، وركزت على وقف النار وإطلاق سراح الأسرى من الجانبين. وقال إن «العدل والمساواة» طلبت إطلاق سراح سجنائها الذين دينوا بالمشاركة في الهجوم على أم درمان العام الماضي، مؤكداً أن حكومته لن تفعل ذلك قبل اتفاق وقف النار، كما أنها لن تطلق المعتقلين تلبية لشرط مسبق. وقال عمر إن الفترة المقبلة «ستشهد حراكاً سياسياً وديبلوماسياً كثيفاً»، وسيزور وسيط الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي المشترك في أزمة دارفور غابرييل باسولي ووزير الدولة للشؤون الخارجية القطري أحمد بن عبدالله آل محمود، الخرطوم وطرابلس لمناقشة مسارات تفاوض جديدة مع الفصائل الراغبة في السلام. لكن الناطق باسم «العدل والمساواة» أحمد حسين آدم أكد أن حركته لن تشارك في أي جولة تفاوض مقبلة ما لم تنفذ الخرطوم اتفاق «بناء الثقة وحُسن النيات». وقال: «لن نكون جزءاً من حملة علاقات عامة مرة أخرى». وهاجم في شدة الوفد الحكومي المفاوض، وقال إنه «ليس لديه تفويض، وأعضاؤه بعيدون عن مركز صنع القرار في الحكومة، وكانوا يعملون على كسب الوقت». وأشار الى أن حركته تمسكت بوقف النار طوال فترة المفاوضات، وأطلقت 24 أسيراً، وتستعد لإطلاق 60 آخرين. وتساءل: «لماذا لا يفرج عن أسرانا حتى نشعر أن هناك بصيص أمل في حسن النيات؟». من جهة أخرى، حملت الحكومة السودانية في شدة أمس على الرئيس الأوغندي يوري موسفيني الذي دعا إلى تحرك سريع لوقف «الشوفينية العربية» ضد السيادة الأفريقية، واتهامه العرب باضطهاد الأفارقة في دارفور. واتهمت مصادر رسمية في الخرطوم الرئيس موسفيني بأنه «متقلب الآراء». وقالت إن «مواقفه غير متوازنة». وكشفت أنه «أكد للرئيس (عمر) البشير خلال لقائهما في زيمبابوي أخيراً وقوف حكومته مع السودان وجهوده في حض المجتمع الدولي على تجاوز قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف البشير، وحل قضية دارفور». واعتبرت حديث موسفيني «محاولة لإرضاء الأوروبيين». وكانت صحيفة «نيوفيجن» الأوغندية الرسمية نقلت عن موسفيني حضه المجتمع الدولي على اتخاذ تدابير صارمة ضد مرتكبي أعمال العنف في دارفور. ودعا في التصريحات التي نقلتها الصحيفة إلى تحرك سريع لوقف «الشوفينية العربية» ضد السيادة الأفريقية، وإعادة الأفارقة الذين شردوا من أرضهم في دارفور، ورأى ان أزمة الإقليم «مشكلة حقيقية لأفريقيا». ودافع موسفيني عن موقف الاتحاد الأفريقي الذي رفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف البشير، موضحاً أن «الافارقة لم يبرئوا البشير، وما تم الاتفاق عليه في الاتحاد هو عدم التغاضي عن المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت في دارفور، وانتظار تقرير لجنة حكماء أفريقيا برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي التي تحقق في الإقليم»، لافتا الى أن «الأفارقة يطالبون بموقف عادل، ويرفضون التسرع في الحكم على الآخرين قبل الاستماع إلى كل أطراف الأزمة».