على رغم تأكيد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي «استعادة زمام المبادرة» عسكرياً في غرب البلاد، وبدء الهجوم المضاد على «داعش»، بدا أن الأمور خرجت عن إرادته وإرادة العراقيين، خصوصاً في غياب السياسيين السنة المعروفين وبروز زعماء جدد أكثر تشدداً، وأصبحت «لعبة» الحرب والسلم خارج بلاد ما بين النهرين. وبرزت مواقف دولية وإقليمية عدة أمس، إذ نددت السعودية بسياسة «الإقصاء والتهميش» التي انتهجها المالكي. ودعت إلى تشكيل «حكومة وفاق وطني» بعيداً من «الطائفية». وفتحت واشنطن «البازار» مع طهران ولم تستبعد وزارة الدفاع الأميركية إجراء محادثات مع إيران تتعلق بالعراق. لكنها أكدت أن «لا خطط لتنسيق الأنشطة العسكرية» بين البلدين حتى الآن. وأدرجت المحادثات على جدول أعمال اجتماعات فيينا المتعلقة بالملف النووي. لكن طهران أعلنت أنها لا تري ضرورة للتعاون مع الولاياتالمتحدة في هذا الأمر. (للمزيد) وأفادت «وكالة الأنباء السعودية» أن مجلس الوزراء أعرب أمس عن قلق الرياض «البالغ إزاء تطورات الأحداث في العراق التي ما كانت لتقوم لولا السياسات الطائفية والإقصائية التي مورست خلال الأعوام الماضية، وهددت أمنه واستقراره وسيادته». وأكد المجلس «ضرورة المحافظة على سيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه، ورفض التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية»، ودعا «أطياف الشعب العراقي كافة إلى الشروع في اتخاذ الإجراءات التي تكفل المشاركة الحقيقية لكل مكوناته في تحديد مستقبله والمساواة في تولي السلطات والمسؤوليات في تسيير شؤون الدولة، وإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية اللازمة» إلى ذلك، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس إن واشنطن تدرس توجيه ضربات جوية في العراق لمساعدة الحكومة في التصدي للمتشددين، وتدرس إجراء محادثات مع إيران. وسئل في مقابلة مع «ياهو نيوز» عن الضربات فقال «إنها لا تشكل الجواب الكامل، لكنها قد تكون أحد الخيارات المهمة». واوضح: «عندما يكون هناك ناس يقتلون ويغتالون في هذه المذابح الجماعية ينبغي أن نوقف ذلك. وينبغي أن نفعل ما يلزم سواء عن طريق الجو أو غير ذلك». وتابع أن بلاده مستعدة لإجراء محادثات مع إيران لمساعدة الحكومة العراقية في «وقف أعمال العنف المسلحة التي يضطلع بها متشددون سنة. هناك شيء بناء يمكن أن تساهم فيه إيران إذا كانت مستعدة لفعل شيء يحترم وحدة العراق وسلامة أراضيه». في طهران نفي مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والافريقية حسين أمير عبد اللهيان وجود اي محادثات مع الجانب الاميركي تتعلق بالعراق، لافتا الي ان بلاده لا تري ضرورة للتعاون مع الولاياتالمتحدة في هذا الأمر. واعرب عن اعتقاده بأن «الشعب والجيش العراقيين قادرين وحدهما على مواجهة هذه المسرحية »، نافيا ايضا تطرق مفاوضات فيينا الي اي مسألة خارج اطار الملف النووي . في بغداد تترقب الاوساط السياسية نتائج المحادثات الاميركية – الايرانية، بما يشبه العودة الى عام 2003 في رسم ملامح المستقبل. وأعربت اطراف حكومية عن قلقها من تردد الجانب الاميركي في توجيه ضربات جوية الى معاقل المسلحين مع استمرار تمددهم وفتح جبهات في نقاط تماس ذات طابع طائفي شديد الخطورة والحساسية. ميدانياً، بدت اتجاهات المعارك بين تنظيم «داعش» ومجموعات مسلحة من جهة، والجيش النظامي مدعوماً بمتطوعين، من جهة أخرى، تتركز في خطوط تماس طائفية، مع شروع المسلحين بشن هجمات على مناطق شيعية تتخلل المحيط السني ابرزها تلعفر (غرب الموصل) التي شهدت طوال ليلة اول من امس وصباح امس اشتباكات دامية. وتضم تلعفر، وهي اكبر الاقضية العراقية، وكانت الحكومة وافقت على تحويلها الى محافظة مستقلة قبل شهور، غالبية تركمانية شيعية، ولم يتم التعرض لها منذ سقوط الموصل. خط التماس الاكثر خطورة يتمثل ببلدات بلد والدجيل الشيعيتين، في محافظة صلاح الدين، شمال بغداد، والتي تشكل المنفذ الوحيد الى مدينة سامراء التي تتحصن فيها قوة حكومية كبيرة. وتعرضت بلدة بلد ليل اول من امس الى هجوم عنيف من مسلحين، قالت مصادر عسكرية عراقية انه فشل في السيطرة عليها. وحصنت السلطات العراقية الطريق الرابط بين بغداد وسامراء بعدد كبير من الوحدات العسكرية، المعنية بتأمينه، ويبدو ان هذه الوحدات هدف مستمر لهجمات المسلحين الراغبين في قطع هذا الطريق. على صعيد آخر حصن الجيش الطريق الرابط بين بغداد وبلدة الخالص الشيعية (شمال شرقي بغداد) وهي منطقة تماس شديدة الخطورة، بعد ان سيطر المسلحون على بلدة العظيم (شمال الخالص) والسعدية والمقدادية (شرقها). وفي محيط بغداد ايضاً تبدو المنطقة الممتدة من احياء المنصور والجامعة والخضراء (غرب) باتجاه ابو غريب والرضوانية، وصولاً الى الفلوجة، من اكثر المناطق التي تشهد حشوداً عسكرية بسبب هشاشة وضعها الامني. ومع توافد عشرات الالاف من المتطوعين استجابة لفتوى المرجع الشيعي علي السيستاني، دعمت قطعات الجيش العراقي صفوفها وسدت الثغرات التي تركها آلاف الجنود الفارين.