صناعة المؤتمرات والمنتديات تحتاج إلى حرفية ومهنية عالية، سواء من حيث المضمون والقضايا المطروحة، أو من حيث الشخصيات المشاركة المؤثرة والفاعلة، وفي كثير من الأحيان تجذب الشخصيات المشاركة من نجوم المجتمع، إن كانوا اقتصاديين أو رجال مال وأعمال، أو حتى مسؤولين، كل هذه تسهم في رفع مستوى الحضور والرغبة في المشاركة للاستفادة من اجل إثراء القضايا المطروحة للنقاش، على المستوى العالمي فرض منتدى دافوس الاقتصادي،نفسه كأحد المنتديات والمؤتمرات المهمة في أجندة رجال الأعمال والاقتصاد بل وحتى لأصحاب القرار السياسي، إذ يحرص الكثيرون على الحضور والمشاركة، فهو إلى جانب انه يناقش قضايا اقتصادية عالمية، فهو أيضاً ملتقى مهم للكثيرين للتعارف ونادٍ يضم النخبة من نجوم وصنّاع المال. على مستوى العالم العربي، برز منتدى البحر الميت، وهي نسخة عربية لمنتدى دافوس لمناقشة الأوضاع الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، وبالنسبة لدول الخليج لعبت الإمارات العربية المتحدة دوراً مهماً في تنظيم المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية من حيث استقطاب الحضور والمشاركة الفاعلة، وكذلك لتنظيمها الرائع واختيارها الانتقائي للشخصيات المشاركة، كل هذا أسهم في رفع مستوى صناعة المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية، واستطاعت أن تبني لنفسها قاعدة عريضة من المهتمين والمشاركين. والحقيقة لا أود أن اغبن حق السعودية في تنظيم بعض الفعاليات الاقتصادية التي رسخت في أذهان الاقتصاديين والمتابعين، ولعل من أهمها منتدى جدة الاقتصادي، الذي بنى لنفسه قاعدة قوية من خلال خطة استراتيجية طويلة المدى، فأصبح لها متابعون ومهتمون، ومنتدى الرياض الاقتصادي الذي استطاع أن يحول الكثير من توصياته إلى أوراق عمل تمت الموافقة على بعضها، إلا أن صناعة المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية في السعودية، على رغم أهميتها في ظل العولمة والتكتلات الاقتصادية، تواجه مصاعب في اختيار الشخصيات المشاركة وموافقة الجهات المعنية، وتأخر التأشيرات، هذا فضلاً عن قصر نظر بعض الجهات الحكومية في التعامل مع مثل هذه المؤتمرات من إجراءات وتراخيص وموافقة، هذا كان بالنسبة للمؤتمرات الاقتصادية التي تتطلب مشاركة شخصيات من الخارج. وتنشط جهات وشركات في الداخل لتنظيم مؤتمرات ومنتديات ومنها الغرف التجارية من اجل مناقشة قضايا مهمة محلية، ورغم فرحنا لهذه الملتقيات والتجمعات الاقتصادية التي تسهم في طرح قضايا تهم المجتمع، إلا انه يعاب عليها أنها تفتقد إلى مستوى الصناعة والحرفية العالية من حيث التنظيم واختيار الضيوف وجدول الجلسات وورش العمل المصاحبة. حرصت جداً الأسبوع الماضي على متابعة منتدى جدة التجاري، وأعجبت جداً بالتنظيم، إلا أن الذي لم يعجبني، أو لنقل انه لم يغريني كمتابع اقتصادي، الموضوعات المطروحة، أو أنني سأستمتع بمشاهدة نجم اقتصادي محلي مؤثر وفعال، أو إدارة حوار ممتع، غاب عن المنتدى الشخصيات المؤثرة التي يمكنها أن تجيب عن تساؤلات الحوار والنقاش، أو المسؤول الأول الذي يمكن أن يتفاعل معها الحضور، أو في مناقشة أوراق العمل، فمستوى الشخصيات مع حفظ الألقاب ومراكزهم الاجتماعية، لم يكن بمقدورهم وضع الأصبع على الجرح، فالناس تعرف قضايا انعكاسات الأزمة العالمية من حيث تمويل المشروعات والشركات، وما قاله المشاركون لا يخرج عن التصريح الرسمي للجهات الحكومية، فما الجديد في الموضوع طالما انه قد اشبع بيانات رسمية وتصريحات؟ وأكدت الجلسة من خلال المشاركين انها لم تتأثر، فماذا أضافت هذه الجلسة من معلومات أو نقاشات، في جلسة الإجراءات الحكومية وأثرها في بيئة الاستثمار السعودي، توقعت أن شخصية مؤثرة مثل وزير التجارة والصناعة، أو رئيس الهيئة العامة للاستثمار، أو حتى وزيرالمالية قد أشاهدهم لكون العنوان كبيراً ويحتاج إلى إجابة مقنعة ونقاش حاد، إلا أن الجلسة ضمت - وأرجو ألا يعتبرها البعض تقليلاً من شأنهم أو مكانتهم - مسؤولين لا يملكون اتخاذ القرارات، ولكن في كثير من القضايا، خصوصاً المهتمين، يبحثون عن قناعات وجدل ينتج عنه رؤية مستقبلية، ولكن معظم الأطروحات، كانت مطالبات وانتقادات وتعريف بالأنشطة للجهات المشاركة، توقعت في هذه الجلسة ان يشارك على الأقل أمين محافظة جدة المهندس عادل فقيه، فهي أكثر الجهات التصاقاً بالاقتصاد والاستثمار، وكذا الحال في جلسة القانون والقضاء التجاري، لم يكن مستوى المشاركين في الجلسة مقنعاً، كمتابع اقتصادي للمعلومات المطروحة، كان ينقصها وزير العدل للتحدث بإسهاب عن مستقبل القضاء في ظل الأزمة التي تعاني منها المحاكم في معالجتها أو البت فيها وهي واحدة من المعوقات الاقتصادية، فلم أجد إجابات مقنعة أو مطمئنة أو الحضور بالخروج بنتيجة، فجاءت الجلسات والنقاشات كلها تعريفية ومطالبات دون إثراء الحوار مع أصحاب القرار. كان من الواضح من الجهة المنظمة للمنتدى أنها واجهت صعوبة في إقناع أصحاب القرار من اجل المشاركة، سواء وزراء أو المسؤول الأول، ولهذا لجأت إلى حشو الجلسات بأسماء أخرى تنتمي لتلك الجهة، أو أشخاص لديهم اهتمامات بالموضوع المطروح للنقاش، ولا أريد أن أقول إنها كانت مجاملات في بعض الأحيان، ولهذا جاءت الحوارات والنقاشات في بعض منها ضعيفة وهزيلة، إن على مستوى إدارة الحوار أو النقاش. أرجو ألا يفسر كلامي هذا على أنني ضد التجمعات الاقتصادية والنقاشات والحوارات المفتوحة، أو أنني ألوم الجهة المنظمة، إلا أنني اعتقد أن المؤتمرات أصبحت صناعة ومنتجاً اقتصادياً تدر دخلاً وتصنع نجومية، وتصنع جمهوراً ومشاركين، ولا تنتهي إلى حد أيام المؤتمر، أو دفع رسوم مشاركة، أو حقيبة فاخرة، فبعض المؤتمرات يبقى صداها لأيام وربما أسابيع في ذاكرة الإعلام والحضور، وينتظرها الاقتصاديون بشغف للمشاركة فيها، فطالما تواجهنا معوقات تحقيق نجاح عالمي أشبه بمنتدى جدة، أو منتدى الرياض، فمن الضروري أن ننجح في تثبيت أقدامنا محلياً باستقطاب نجوم المال، واختيار الموضوعات التي تلامس همومنا بعناية، وليست منابر من اجل سرد أرقام وبيانات ومعلومات نُشرت أكثر من مرة وفي مناسبات عدة. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]