مبروك لشعب ليبيا. مبروك للعرب وللمسلمين. مبروك للعالم كله. بعد 42 سنة من الظلام والظلم يرى الليبيون نور الصباح. كانت 42 سنة كلها عجاف، واليوم يستطيع شعب ليبيا أن يتطلع إلى مستقبل أفضل. أريد لليبيين الخير، وأريد شخصياً أن أعرف مصير الإمام موسى الصدر والأخ منصور الكيخيا وألوف الناس الذين اختفوا في سنوات حكم معمر القذافي. ثم لا أريد انتقاماً، أو تصفيات جسدية، أو استبدال ظلم بآخر. كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته عبر محاكمة قانونية، لا الشارع (أو ميدان التحرير مثلاً)، وأركان حكم القذافي وأعوانه، وحتى أعضاء أسرته، أبرياء إلى أن تدين المحاكم هذا أو ذاك منهم. إذا كانت الثورة في ليبيا أثبتت شيئاً فهو أن معمر القذافي لم يغسل دماغ هذا الشعب، ولم يجعله على صورته ومثاله في الجهل والتخلف والإرهاب. عندما قام القذافي وزمرته بانقلاب في 1/9/1969 كان شعب ليبيا دون مليون نسمة، وهو الآن حوالى ستة ملايين، نفترض أن غالبيتهم ولدت في عهد القذافي، ولم تعرف غيره حاكماً. مع ذلك الثورة أثبتت أن شعب ليبيا جزء من تلك القرية العالمية الخرافية وأنه يتفاعل مع الأحداث الخارجية والتطورات، ويعرف ما يدور حوله ويطمح أن يمارس حقه في العيش الكريم. الليبيون قادمون وقادرون، فعندهم الإمكانات كلها لإصلاح ما تهدم ولبناء بلد عصري، ولعل بلايين الدولارات التي خبأها النظام في مصارف حول العالم تستعمل لإعادة البناء. وكنا نعرف قبل الثورة عليه بسنوات وعقود أن الموازنة السنوية للدولة تقل عن دخلها النفطي بعشرة بلايين إلى عشرين بليون دولار كل سنة، فلو أننا جمعنا أرقام السنوات العشرين الماضية وحدها لكانت هناك مئات بلايين الدولارات هي حق الشعب الليبي وحده. هل أطمح أن يلعب الليبيون دوراً إيجابياً ضمن المجموعة العربية يفيد الأمة كلها؟ أمهلهم إلى أن يصلحوا ما خرّب القذافي ثم أبدأ بمطالبتهم بدور عربي فاعل ومنتج. معمر القذافي لم يرأس نظاماً همجياً متخلفاً وإنما فضيحة، فهو كاد يصيب الليبيين بعدوى جهله، واستهدف بالإرهاب أهل بلده، ومارسه في الخارج. وإذا كان لي أقل القليل من الإنجاز المهني فهو أنني لم أزر ليبيا في حياتي، لأنني عندما أصبحت صحافياً يزور بلاد الناس كان القذافي قد وصل إلى الحكم في ليبيا، وقررت من البداية أنني لن أستطيع التعامل معه. ربما كان بعض أبنائه مثله إلا أنني أصرّ على أن يلقوا محاكمة عادلة، وقد تعلمنا ألا نزر وازرة وزر أخرى، فأطلب لسيف الإسلام القذافي تحديداً محاكمة عادلة، وأترك للمحكمة أن تبرئه أو تدينه. أعترف بأنني لم أسعد يوماً برحيل زعيم عربي كما سعدت برحيل القذافي، وقد رأينا كثيرين من الزعماء العرب الذين ما كانوا يستحقون الوصول إلى موقع الحكم، والتحكم بالبلاد والعباد وفي مقدم هؤلاء العقيد ملك ملوك أفريقيا. رحيل القذافي نصف المهمة، والنصف الآخر لا يقل صعوبة، فالبناء كان دائماً أصعب من الهدم. ونريد في ليبيا حكماً ديموقراطياً من دون أميركا أو الناتو، هذا ونحن نعرف أن هناك أعداء لا بد أن يحيكوا مؤامرات، وسنجد انتهازيين يحاولون سرقة الثورة من رجالها، وجماعات متطرفة كامنة في الظلام تنتظر فرصة لتنقض على البلد وتعيده إلى الوراء قروناً لا مجرد سنوات. غير أنني اليوم سعيد لليبيا، سعيد للعرب جميعاً والمسلمين، وأُعِد حقيبتي لزيارة هذا البلد الطيب. [email protected]