أدخل رفع قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال فرانسين السرية عن القرار الاتهامي الذي أعده المدعي العام فيها دانيال بلمار في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه، لبنان في مرحلة سياسية جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات خصوصاً بعدما أجاز نشر القسم الأكبر من هذا القرار الذي تضمن اتهام الأربعة، مصطفى أمين بدر الدين وسليم جميل عياش وحسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا وآخرين ب «الاشتراك في مؤامرة بهدف ارتكاب عمل إرهابي لاغتيال رفيق الحريري، بدأ التخطيط له منذ 11 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2004. وأظهر القرار الاتهامي الذي صادق عليه فرانسين، دور «كل منهم في أثناء الإعداد للجريمة وتنفيذها»، مشيراً الى ان بدر الدين اضطلع بدور المشرف العام على الاعتداء وأن عياش تولى تنسيق مجموعة الاغتيال المسؤولة عن التنفيذ الفعلي، فيما أعد عنيسي وصبرا إضافة الى انهما متآمران، شريط الفيديو الذي أعلنت فيه المسؤولية زوراً «جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام» بهدف «توجيه التحقيق الى أشخاص لا علاقة لهم بالاعتداء» وذلك «حماية للمتآمرين من الملاحقة القضائية». وذكر القرار الاتهامي ان المتهمين الأربعة «مناصرون لحزب الله، وهي منظمة سياسية وعسكرية في لبنان»، لافتاً الى ان «الجناح العسكري لحزب الله تورط في عمليات إرهابية» وأن «لدى الأشخاص الذين دربهم هذا الجناح القدرة على تنفيذ اعتداء إرهابي بغض النظر عما إذا كان هذا الاعتداء لحسابه أم لا». ووجه القرار الاتهامي الى المتهمين الأربعة كافة تهمة «الاشتراك في مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي»، كما اتهم بدر الدين وعياش ب «ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة وبقتل الحريري و21 شخصاً آخر عمداً باستعمال مواد متفجرة وبمحاولة قتل الأشخاص الذين أصيبوا ونجوا عمداً باستعمال مواد متفجرة». واتهم القرار عنيسي وصبرا بالتدخل في جرائم أخرى، موضحاً ان جميع التهم الواردة فيه جرائم منصوص عنها في القانون اللبناني، فيما اعتبر فرانسين في تصديقه للقرار الاتهامي ان بلمار «قدم أدلة كافية بصورة أولية للانتقال الى مرحلة المحاكمة». ورأى ان ذلك لا يعني ان المتهمين مسؤولون، بل ان «القرار يبين فقط توافر مواد كافية لمحاكمتهم وعلى المدعي العام ان يثبت في أثناء المحاكمة ان المتهمين مسؤولون من دون أدنى شك معقول». وكشف القرار انه بعيد الانفجار «أجرى عنيسي وصبرا وهما يعملان معاً اتصالات هاتفية بمكتبي وكالة «رويترز» للأنباء وقناة «الجزيرة» في بيروت»، وأن صبرا عاد واتصل ب «الجزيرة» مرة أخرى ليعلمها بمكان وجود شريط الفيديو الذي وضع على شجرة في ساحة «اسكوا» في بيروت، «وتم العثور على الشريط الذي بث في ما بعد على شاشة للتلفزيون وأعلن فيه رجل يدعى أحمد أبو عدس (فلسطيني) زوراً انه الانتحاري الذي نفذ العملية، ثم تبين لاحقاً ان عنيسي الذي انتحل اسم محمد كان وراء التواصل مع أبو عدس بعد ان تعرف عليه في أحد المساجد في محيط جامعة بيروت العربية قبل أن يختفي أبو عدس في 17 كانون الثاني (يناير) 2005 ما يعني انه ليس هو الانتحاري الذي قاد فاناً من نوع «الميتسوبيشي كانتر» لتفجيره في موكب الحريري»، وأن «الانتحاري ذكر ولا يزال مجهول الهوية». وتبين من خلال مراجعة القرار الاتهامي الذي أجاز فرانسين نشره والتدقيق في تفاصيله، انه «نتيجة للتحقيقات التي أجريت بعد الاعتداء جمعت كمية كبيرة من الأدلة بما فيها إفادات الشهود والأدلة الوثائقية والأخرى الإلكترونية (مثل تسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات بيانات الاتصالات الهاتفية) وأدت هذه الأدلة الى تحديد هوية بعض الأشخاص المسؤولين عن الاعتداء على الحريري». وعلى سبيل المثال فإن تحليل سجلات بيانات الاتصالات أظهر كما ورد في القرار الاتهامي، وجود عدد من شبكات الهواتف الخليوية المترابطة والمتورطة في عملية اغتيال الحريري. وتتكون كل شبكة من مجموعة من الهواتف «الحمر» الخاصة للاتصالات السرية بين بدر الدين وعياش إضافة الى هواتف «خضر وزرق وأرجوانية» سجلت بأسماء مستعارة وكانت نسبة الاتصال بينهما مرتفعة وبعضها انقطع عن العمل قبل دقيقتين من تنفيذ الجريمة في الساعة الواحدة إلا خمس دقائق من بعد ظهر الاثنين في 16 شباط (فبراير) 2005. وتضمنت سجلات بيانات الاتصالات معلومات مثل أرقام هواتف المتلقين والمتصلين وتاريخ الاتصال ومدته ونوعه (صوتي أو رسالة نصية) والموقع التقريبي للهواتف الخليوية بالنسبة الى أبراج الاتصالات الخليوية التي تلقت الاتصال. وتحدث القرار عن وجود شبكات اتصال سرية لا يتصل أعضاؤها إلا ببعضهم بعضاً إضافة الى شبكات «مفتوحة» يتصل أعضاؤها أحياناً بآخرين من خارج مجموعاتهم، ومنها تلك الاتصالات المتعلقة بشراء «الفان» الذي استخدم للتفجير من محلة البداوي في طرابلس. لكن القرار الاتهامي ركز على دور الشبكات «الحمر» لمراقبة تحركات الحريري التي بدأت من جوار منزله في قصر قريطم صباحاً (أي في اليوم الذي نفذت فيه الجريمة) ثم اتجهت الى جوار المجلس النيابي الذي انتقل اليه ثم الى جوار فندق السان جورج حيث وقع الاعتداء. وتوقف القرار أمام الاتصالات الثلاثة والثلاثين الأخيرة لهواتف الشبكة «الحمراء» بين الساعة 11 صباحاً والساعة 12 و53 دقيقة أي فور مغادرة موكب الحريري مقهى «الأتوال» في ساحة النجمة في اتجاه منزله، وذكر انه في الساعة 12 و50 دقيقة اتصل مستخدم أحد هواتف الشبكة «الحمراء» الموجود في جوار البرلمان بمستخدم هاتف من الشبكة نفسها موجود في جوار فندق «السان جورج» وهو الوقت الذي غادر فيه الحريري هذه المنطقة وذلك بالتزامن مع تحرك «الفان» الى موضعه النهائي لتنفيذ التفجير الذي تواجد على مقربة منه المتهم عياش. وذكر القرار في معرض تناوله لمراقبة الحريري ان بعض المتهمين كانوا يتولون مراقبة منزله في قريطم أو في خلال تنقلاته ومنها في 31 كانون الثاني (يناير) 2005 عندما توجه الى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وأن عياش أجرى في هذه الأثناء اتصالات واستعمل لهذه الغاية هواتفه «الحمر» و «الخضر» و «الزرق» وأنه على وجه التحديد كان على اتصال 11 مرة من الهاتف الأخضر ببدر الدين على الهاتف الأخضر. كما ذكر القرار كيف ان الحريري أخضع في 3 شباط 2005 لمراقبة شديدة عندما توجه الى نادي اليخوت في «السان جورج» لتناول الغداء وأن عياش كان على اتصال ببدر الدين الذي حضر الى المنطقة ذاتها على مقربة من الحريري ومن المكان الذي استخدم لاحقاً لتنفيذ الاعتداء. وفي أول رد فعل على نشر القرار الاتهامي، سأل رئيس «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري «أي عقل شيطاني يمكن ان يكون استولى على عقول هؤلاء ليرتكبوا مثل هذه الجريمة؟ بل أي عقل شيطاني يمكن ان يكون قد خطط وأعطى الأوامر لهؤلاء؟». وقال: «ها هي شمس الحقيقة والعدالة تشرق على لبنان وما من شيء سيكون قادراً على تعطيل هذا الفجر وسنبقى على عهدنا بأن تكون وسيلة لإحقاق الحق وليست أداة للثأر أو الانتقام وبأن نجعل من الفرصة المتاحة لكشف الحقيقة فرصة لإنهاء مسلسل الجريمة المنظمة في لبنان». وأكد الحريري أنه «يتطلع بكل صدق وأمانة الى موقف تاريخي من قيادة حزب الله ومن السيد حسن نصرالله خصوصاً لوضع حد لسياسة الهروب الى الأمام والإعلان عن التعاون التام مع المحكمة الدولية بما يؤدي الى تسليم المتهمين والمباشرة في إجراء محكمة عادلة»، داعياً هذه القيادة الى «الإعلان عن فك الارتباط بينها وبين المتهمين، وهذا موقف سيسجله التاريخ والعرب وكل اللبنانيين للحزب وقيادته، بمثل ما يمكن ان يسجل خلاف ذلك إذا أرادوا الذهاب بعيداً في المجاهرة بحماية المتهمين». (نص القرار الاتهامي)