يقدم المخرج الحيلاني الماجري عمله الجديد «سارس» في عدد من المهرجانات التونسية كالحمامات والقيروان وتوزر. وقصة «سارس» مبنية على الوهم والإيهام من خلال إشاعة يبتدعها بروفسور وهو تاجر أعضاء، ومفادها أنّ وباء فتاكاً يوجد خارج المصحة، ليحتجز مرضى عاديين ليس لهم أصول أو فروع (مقطوعون من شجرة) لنزع أعضائهم من خلال عمليات يوهمهم بضرورتها. ولكنّ المجموعة الأخيرة من المرضى ينتابها الشك في صحّة وجود هذا المرض وينطلقون في محاولة للتمرد ضد سجن الوهم والأسوار العالية، وتبدأ رحلة الصراع الطويل من أجل كشف الحقيقة. وأثناء ذلك يكتشف المتابع العقد المتعددة لشخصيات العمل، كشخصية الفنانة التي يقلقها فقدانها مؤهلاتها الجسدية وتفعل كل شيء من أجل البقاء في سن صغيرة وتعتقد أنّ كل ما يحيط بها هو نتيجة مؤامرات زميلاتها اللواتي يسعين جاهدات الى إحباط نجاحها، ثمّ شخصية التاجرة التي أتت المصحة لتنقص من نفخ أصاب جسدها فإذا بها تسقط في حبال الجنون نتيجة الوباء الموهوم ونقص الطعام، وفي المصحة أيضاً كهل يعاني اضطراباً نفسياً نتيجة جريمة قام بها منذ زمن بعيد ويجد نفسه محاصراً فيتفاقم لديه «الستراس» القاتل. أمّا من يتلاعب بكل هذه الشخصيات مثل العرائس فهي مساعدة البروفسور التي تحيك حيلها بدهاء كبير، وتؤلف ببراعة كذبها فتقود الجميع نحو نهايتهم المحتومة طمعاً في زواجها من رئيسها كما وعدها مع مجدٍ آت وثروة متراكمة فوق جماجم الضحايا. اعتمد المخرج خيوطاً متشابكة وأضواء موحية بالحالات النفسية المتغيرة كسينوغرافيا، وعمّ اللون الأزرق لينشر الظلام المعبر عن الحيرة والضبابية، والضوء الأحمر عند اقتراب الجريمة... خيالات تتوحد وتتنافر مع خيالات تخرج من الإضاءة وخيوط السينوغرافيا لتخلق جواً من القلق الذي يصل حدّ الهيستيريا أحياناً. أمّا الملابس فتتغير بتحرك الأزمنة وتبدّل الحالات، فمن ملابس النجوم وأصحاب المال إلى ملابس المرضى النفسيين الذين أفقدتهم إشاعة المرض صوابهم. ويرى الماجري أن العمل «يتنزل في إطار الإنسان ومواجهته الموت كفكرة فلسفية ووجودية يتطلب إخراجها للجمهور صياغة مسرحية خاصة انطلقت من نص أولي للكاتب فتحي الفارسي تمّ تجاوزه في إطار ثنائيات وثلاثيات داخل العرض في الواقع المعيش من خلال صراعاتهم النفسية والاجتماعية في جو قلق وإن لم تغب عنه النكتة والموقف الضاحك». ويضيف أنه عمل على المسرحية في زمنين، قبل الثورة وبعدها، مع محاولة عدم تأثر الشطر الثاني بتداعيات الثورة للحفاظ على الخط الدرامي للعمل. أمّا أبطال العمل فهم الطاهر رفراف الذي لم ينقطع عن التمثيل يوماً منذ عام 1973، وسامية بوقرة التي كانت إحدى مفاجآت المسرحية فهي إضافة إلى أدائها المسرحي تتمتع بطاقة صوتية طيبة وظفتها في الغناء داخل العرض، وعواطف الجباري التي تخوض تجربتها الاحترافية الأولى، وماهر المحظي وهدى بن كاملة.