القيادة تهنئ رئيس جمهورية صربيا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    ضبط (22663) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    "تعليم الرياض" تنهي الاستعداد لاختبارات الفصل الثاني.. والنتائج الخميس    التبادل السادس.. تسليم 3 رهائن إسرائيليين في خان يونس    «برايتون» يكسر عناد «تشلسي»    فريق سومي لي يتوج بلقب بطولة صندوق الاستثمارات العامة للسيدات وجينوثيتيكول تتصدر الفردي    يوم الحسم في بطولة البادل بموسم الرياض    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تداولاتها على تباين    فندق شيدي الحجر في العلا يفتح أبوابه للضيوف    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    بشكل علمي.. اكتشف مدى نجاحك في العمل من لونك المفضل    جمعية «صواب» بجازان تختتم دورة «التسويق الإلكتروني»    مناحل بيش تحصد ثلاث ميداليات ذهبية جديدة وميدالية بلاتينيوم في باريس    سهرة حجازيّة مميزة في دار فرنسا بجدة    الأشراف آل أبو طالب يحتفون بيوم التأسيس في صامطة    %72 من الشركات السعودية تستعين بحلول الذكاء الاصطناعي    وزير الخارجية الأردني يؤكد على موقف بلاده الثابت في رفض تهجير الفلسطينيين    اليونيفيل تطالب بتحقيق "فوري" بعد إحراق مركبة تابعة لها في بيروت    مجلس إدارة "أوبن إيه.آي" يرفض عرضا من ماسك بقيمة 97.4 مليار دولار    ترامب يعتزم فرض رسوم إضافية على السيارات المستوردة    «العودة» إلى رتبة لواء    متوسطة العلاء بن الحضرمي تحتفل بيوم التأسيس    سيدات القادسية إلى نهائي كأس الاتحاد السعودي    "الهلال" يُصدر بياناً إعلاميّاً يستغرب خلاله من الحالات التحكيمية في مباراته أمام الرياض    رابطة العالم الإسلامي تُدين جريمة الدهس بميونخ    تحت رعاية الأمير مشعل بن محمد.. تكريم رواد التطوع في حفلٍ مجتمعي بالرياض    غونتر: بداية قوية.. وأوليفر: المنعطف الأخير «محبط»    وزير الرياضة: نتطلع لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية" نيوم 2029″    زراعة عسير تطلق فعالية خيرات الشتاء    السعودية تدين وتستنكر حادث الدهس الذي وقع في مدينة ميونخ    إطلاق مبادرة «لحومنا آمنة» في خميس مشيط    هيئة فنون العمارة والتصميم تحتفي بمرور 5 أعوام على تأسيسها    الأمير عبدالإله بن عبدالرحمن آل سعود يزور معالي الشيخ علي بن شيبان العامري    جمعية أسر التوحد توقع مذكرة تفاهم مع شركة رانج لتعزيز التعاون الإعلامي والتسويقي والمعارض    القبض على شخصين بالقصيم لترويجهما «الإمفيتامين»    منصة توقيع الكتب.. تجربة فريدة في معرض جازان للكتاب 2025    السعودية تشيد بالمكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيسين الأميركي والروسي    السعودية ضمن أكبر 10 أسواق عالمية في تخزين الطاقة    إمام وخطيب المسجد الحرام: اتركوا أثراً جميلاً في وسائل التواصل.. لتبقى لكم بعد مماتكم    خطيب المسجد النبوي: الذنوب تمحى بالاستغفار ما لم تبلغ الكفر والشرك بالله    «سلمان للإغاثة» يختتم 3 مشاريع طبية تطوعية في دمشق    (رسالة مريض ) ضمن مبادرة تهدف إلى تعزيز الدعم النفسي للمرضى.    اعتزال الإصابة    ديوانية القلم الذهبي تعقد أولى جلساتها النقاشية    جودة الحياة في ماء الثلج    لماذا التشكيك في رجاحة عقل المرأة..؟!    القوة الجبرية للمتغيب عن جلسات القضايا الزوجية    الحب سَمْقه وسُقمه!    محمد بن فهد.. ترحل الأجساد وتبقى الذكرى    في يوم النمر العربي    العنوسة في ظل الاكتفاء    أيهما أسبق العقل أم التفكير؟    مدير عام تعليم مكة يدشّن المعرض الفني واحتفالية يوم التأسيس    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    ثمن المواقف الأخوية الشجاعة للسعودية والأردن ومصر.. الرئيس الفلسطيني يشدد على اعتماد رؤية سلام عربية في القمة الطارئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة المصرية وإمارة سيناء السلفية
نشر في الحياة يوم 15 - 08 - 2011

واجهت الثورة المصرية، مع إشراقة شمس يومها الثاني، وقبل أن يرتدي نظامها الانتقالي بذلة العمل، ما يمكن أن نسميه ب «ديكتاتورية الدين». أخذت هذه الديكتاتورية في البداية شكل التناقض الطائفي إذ تبدت رغبة أتباع كل من المتدينين المتشددين، مسلمين ومسيحيين، في فرض منطقهم على النظام الجديد، ومن ثم سعي كل طرف منهما إلى توجيه رسائل مكثفة حول حدود قدرته على الحشد والتأثير، أملاً في حجز موقع أكثر مركزية وتقدماً على خريطة المستقبل.
لقد بدا حادث الاعتداء والهدم الجزئي لكنيسة صول بمركز أطفيح، وما تبعه من عنف طائفي أودى بحياة ما يزيد عن عشرة أشخاص، عملاً عبثياً وغبياً إلى أبعد مدى، ربما كان غير مسبوق في التاريخ المصري الحديث على الأقل، ولا نتمناه أن يتكرر.
وفي المقابل كانت ثورة غضب الأقباط أكبر وأطول مما كان يتحمله الوضع آنذاك، على رغم وعود المجلس العسكري الحاكم بإعادة إصلاح ما تم هدمه. فهنا كان سلوك كل فريق يتعدى الحدث المباشر ولا يتوقف عنده، بل يسعى إلى توجيه إنذارات وإطلاق إشارات حول طاقاته وقدراته.
في حادثة الاعتداء على كنيستي مار مينا والعذراء بإمبابة، إثر الشائعة الشهيرة عن احتجاز الكنيسة فتاةً أسلمت، بدا الأمر أكثر عبثية وهمجية. لقد تبادل الطرفان القتل، وراح نحو اثني عشر شخصاً بالتساوي بين الجانبين، ناهيك عن المصابين والجرحى.
وعلى نحو أقل حدة تكرر الأمر فى المنيا وفي جرجا وسواهما، طيلة الشهور القلائل الماضية انتهاء بمليونية الجمعة في 29 تموز (يوليو) التي عُقد لواؤها في الميدان بغرض لم الشمل، ولكنها انتهت إلى تمزيقه بفعل الحضور الغليظ للتيارات الإسلامية، خصوصاً السلفية، التي أعلنت صراحة دعوتها للدولة الإسلامية وتنكرها للدولة المدنية، كما سعت إلى تهميش القوى الليبرالية واليسارية في الميدان.
وعلى رغم ذلك المسار السلبي فإن تحولاً خطيراً على نحو غير مسبوق يحلّق في الأفق يتعلق بما أعلنته الجماعة السلفية في سيناء على لسان أميرها سليمان أبو أيوب، فى حوار مع صحيفة «المصري اليوم» القاهرية، الأربعاء في 10 آب (أغسطس)، من شروعها في تشكيل لجان لفض المنازعات بين أهالي رفح والشيخ زويد والعريش عبر محاكم شرعية يديرها ويحكم فيها مشايخ السلفية لتكون بديلاً عن نظام المجالس العرفية المتبع في سيناء. ولمزيد من الإتقان الهيكلي، وفي موازاة تعدد مستويات التقاضي، ستكون هناك لجنتان الأولى من خمسة أفراد يقضون بين الناس، فإذا ما فشلت يلجأ المتخاصمون إلى اللجنة الثانية المكونة من عشرة حكماء كبار السن والمقام يمثلون المستوى الأعلى للتقاضي.
ونظراً إلى أن العدالة السلفية، مثل كل عدالة أخرى، تحتاج إلى من يحميها ويفرضها، فقد بشرنا الأمير أبو أيوب بأنه تم بالفعل تدبير ما بين خمسة وستة آلاف شاب مسلح من شباب الجماعة تكون مهمتهم فرض الأمن وملاحقة الخارجين.
كما بشرنا كذلك بعزم الجماعة فتح الحدود على غزة ونقل السلع المختلفة إليها، باعتبار أن ذلك ليس تهريباً بل واجباً شرعياً. والبشارة الكبرى تمثلت في تأكيده أن تنظيم القاعدة ليس موجوداً في سيناء، ولكن الموجود فقط هو الجماعة السلفية، والجماعات التكفيرية التي خرجت من جلبابها، وأن هناك فقط المعجبين والمتعاطفين مع فكر القاعدة!
وأما البشارة الأخيرة فإن تلك العناصر المسلحة ستبدأ عملها بعد أسبوع واحد، وأنها لن تتحول إلى ميليشيات مسلحة، كما أنها ستتوقف مع عودة الشرطة والسيطرة الأمنية.
وينفي الأمير في نهاية الحوار أن يكون الأمر بمثابة إعلان إمارة سلفية في سيناء. فما هو الأمر إذاً إن لم يكن كذلك؟ عندما تقوم جماعة أياً كانت باحتكار حق استخدام العنف، وضبط الأمن، وتطبيق القانون الذي ينتمى إليها هي أو تؤمن به (الشرعي)، وليس قانون الدولة التي تنتمي إليها (القانون المدني المصري)، فما هو الاسم الذى يمكن إطلاقه عليها سوى أنها صارت دولة داخل الدولة، إمارة سلفية داخل الجمهورية المصرية؟ ثم من الذي يضمن أن تنهي هذه الجماعات أو الميليشيات المسلحة عملها بمجرد الوجود الأمني الفاعل للشرطة أو الدولة؟ وهل تقبل الجماعات هذه والميليشيات تلك أن تقوم الدولة آنذاك بتطبيق قانونها العام المدني أم إنها ستصر على تطبيق قانونها الخاص الشرعي الذي يصير آنذاك حقيقة قائمة فعلياً وإلا حاربت الدولة عليه؟
يبدو الحدث انعطافياً في مسيرة الثورة المصرية، وفي مسار الديكتاتورية الدينية التي تحاصرها منذ البداية؛ ذلك أن الصراع السياسي الدائر في التحرير، على رغم كل الملابسات التي تحيط به، مآله صناديق الاقتراع، ومهما كان طغيان الحضور السلفي وغلظته فإنهم يستطيعون تبريره بحقهم الشرعي في الوجود والتعبير.
أما الإعلان عن مثل هذا الذي يجري في سيناء فلا يقل عن كونه اختطافاً لجزء غالٍ وحساس من أرض الوطن، وإقامة إمارة سلفية عليه رغم أنف الجميع، ومن دون اعتداد لا بقانون البلد ولا برغبة أهلها، بل الشروع في تطبيق سياسة خارجية تجاه غزة مفارقة لسياسة الدولة. وهكذا لن يمر وقت طويل حتى تثور العواصف السياسية والأمنية مع إسرائيل، طالما أن النهج المتبع سلفي، وأن الفكر السائد والذي يثير الإعجاب بين مكونات الجماعة - الإمارة هو فكر القاعدة.
نتصور أن اكتمال هذا الحدث لا يقل عن مستوى الكارثة على سيناء والثورة ومصر كلها، لأنه إذا اكتمل فسيتكرر ربما في الصعيد أو في مطروح أو غيرهما من المناطق النائية نوعاً، وأن علاجه قد يكلفنا الكثير من الوقت والجهد والمال. بل إنه قد يكون بداية مسيرة فشل حقيقي للثورة المصرية في تأكيد حضورها وإنجاز أهدافها الكبرى. لذا، يتوجب على الجميع أن يضعوا هذا الأمر فى بؤرة اهتمامهم والتصدي له بكل الجهد والطاقة من قبل المجلس العسكري أولاً، وكل أطياف الثورة المصرية ثانياً. فعلى المجلس العسكري أن يتصدى ولو بالقوة المسلحة لمثل هذا التحدي، حتى وإن تنكب فى ذلك معركة كبيرة لأنها ستكون معركة الهيبة والثورة والدولة معاً. وعلى كل قوى الثورة أن تضع هذا التحدي على رأس أولوياتها قبل أي هدف آخر، فهو الهدف الذى يستحق فعلاً المليونيات الحاشدة.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.