لم يفُضّ كثيرون من القادة السياسيين الإيطاليين حقائبهم في مناطق السياحة التي بلغوها لقضاء عطلة منتصف آب (أغسطس)، إذ يتوقّع كثير منهم بأن عليهم إقفالها مجدداً والعودة إلى العاصمة لمواجهة أزمة محتملة أو للعمل سويّة للبحث عن مخارج منها. وما كان يتوقعه الوزراء حصل سريعاً إذ دعا رئيس مجلس الوزراء سيلفيو بيرلوسكوني إلى اجتماع لمجلس الوزراء السابعة مساء أمس، لمناقشة «تدابير مالية عاجلة» وفق ما اعلن مكتبه. وتتطلع الحكومة إلى توفير 20 بليون يورو في المدخرات الزائدة والعائدات، بهدف تحقيق توازن في الموازنة بحلول عام 2013 وطمأنة الأسواق المالية حول متانة المالية العامة في إيطاليا. وعلى رغم أن السياسيين الإيطاليين يسعون إلى تجنّب الإشارة إلى النموذج اليوناني، فإنهم لا يتمكنّون من إزالة ذلك الشبح من أذهانهم، ما دعا المعارضة الإيطالية أمس إلى أن تكون أقل عدوانية مع وزير المال والاقتصاد جوليو تريمونتي. فعلى رغم استمرار مطالبتها باستقالة الحكومة ل «عجزها الأدائي ومسؤوليتها في إيصال الأوضاع إلى هذا الحد»، أكدت المعارضة استعدادها للتعامل مع الإجراءات الحكومية من منطلق المسؤولية. ومع اختلاف النبرات في مواجهة ربّان الاقتصاد الإيطالي، فإن ثمة إدراكاً عاماً لدى الجميع، بأنه في حال غرق المركب لن ينجو من الغرق أي واحد. ومن هذا المنطلق سارع زعيم المعارضة الأمين العام للحزب الديموقراطي بيير لويجي بيرساني، إلى الاستجابة إلى نداء رئيس الجمهورية جورجو نابوليتانو إلى «العمل المشترك لمواجهة احتمالات الأزمة». وحمل إليه خلال لقائهما في القصر الجمهوري حزمة من المقترحات التي تفيد في مواجهة الأزمة. وعلى رغم عدم تسرّب أي شيء عن هذه المقترحات، أكد اللقاء بأن المعارضة جادة في التعامل الإيجابي للوصول إلى مخارج تحول دون الانهيار. وكان الرئيس الإيطالي قطع إجازته الصيفية وعاد إلى روما ليتابع آخر تطورات حزمة الإجراءات الاقتصادية لمواجهة الأزمة، والتي تقوم الحكومة حالياً بإكمال تفاصيلها وأجرى لقاءات مع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني، وأمين رئاسة مجلس الوزراء جانِي ليتَا، ووزير الاقتصاد جيوليو تريمونتي، للتعرف على آخر التطورات التي تخص الأزمة وإجراءات الحكومة لمواجهتها. وواصلت المعارضة الإيطالية توجيه انتقاداتها إلى سياسات الحكومة لمواجهة الأزمة المستفحلة والاستجابة إلى ما يطلبه الاتحاد الأوروبي من إجراءاتٍ سريعةٍ، لإعادة الانتعاش الاقتصادي. وتمنى بيرساني أمام اجتماع لقيادات الحزب الأكبر في المعارضة، أن يحصل من «الحكومة أخيراً، على كلمات واضحة ودقيقة في شأن توجهاتها. وإن لم تكن كافية سنقدم مقترحاتنا». وسرّعت الحكومة الإيطالية تنفيذ إجراءاتها الاقتصادية لمواجهة الأزمة، وتعمل على تغييرها لملاءمة التطورات السريعة. وأكد وزير الاقتصاد والمالية جوليو تريمونتي للمنظمات والاتحادات النقابية والاجتماعية في إيطاليا بأن التبكير في تنفيذ حزمة الإجراءات الاقتصادية «يستوجب إعادة ترتيبها». فبعد مضيّ أيام على استفحال مؤشرات الأزمة المالية والاقتصادية في إيطاليا التقت حكومة رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني للمرة الثانية بالهيئات والمنظمات والاتحادات التي تمثل الفئات والطبقات الاجتماعية الإيطالية، لمتابعة تطورات الأزمة والإجراءات اللازمة للخروج منها، وتجنب مخاطرها الأسوأ. واستبق بيرلوسكوني اللقاء بإعلانه أن مجلس الوزراء سيجتمع في حدود 18 آب الجاري، إذ يتوقع أن يصدر عنه قرار جديد يتضمن إجراءات لمواجهة الأزمة. وأفادت مصادر مقر مجلس رئاسة الوزراء الإيطالي بأن الوقت ضيق جداً، الأمر الذي يستوجبُ اتخاذ إجراء طارئ. وقال بيرلوسكوني: «أؤكد الالتزامات التي اتخذت، وسننجز كل شيء، وفي شكل حسن». وأوضح أمين رئاسة مجلس الوزراء جانِي ليتَا بأن «الأوضاع في الأيام الخمسة الماضية تغيرت وهبط كل شيء». وقال: «نعرف أن الوضع يتطلب خيارات عاجلة وصحيحة، والحكومة (الإيطالية) تقوم الآن بتقييم جميع الاحتمالات والافتراضات». وكان وزير الاقتصاد والمال تريمونتي أعلن أن «الوضع في إيطاليا يشير إلى أن نسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي في العام الجاري سجلت 3.8 في المئة، وستنخفض إلى نسبة تتراوح بين 1.5 و1.7 في المئة للعام المقبل. وستصل بحلول عام 2013 إلى التعادل. وأعلن تريمونتي في جلسة استماع خاصة للجنتيّ الشؤون الدستورية والموازنة لمجلسيّ النواب والشيوخ للبرلمان الإيطالي، عن نيّة الحكومة في بحث الإجراءات الحكومية العاجلة لمعالجة مخاطر الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة. وأكد أن «ليس هناك نية للمس بأصول الدولة، وعلى العكس فإنها ستقلّص المخزونات البنكية والبريدية من 27 في المئة إلى 20 في المئة، وزيادة الضرائب على الأسهم، بنسبة 20 إلى 12.5 في المئة، باستثناء تلك التابعة للدولة». وقال: «علينا أن ننجز حزمة إجراءات اقتصادية قوية هذا العام وفي العام المقبل. واختيار التفاصيل لا يزال جارياً». كما أشار إلى أحد أهم الإجراءات التي ستتخذها حكومته لتقليص النفقات العامة بالقول: «علينا أن نتدخل بحسم في مسألة الكلفة السياسية. ليس فقط تكاليف السياسيين، ولكن في ما يخص النظام في شكل تام». وتابع: «لتقليص تكاليف السياسة لا ينبغي التدخل فقط في شأن مقدار ما يتقاضاه السياسيون (من رواتب) إنما في شأن عددهم أيضاً». وشدَد وزير الاقتصاد على أن ليس لحكومته نية «للتوجه لتقليص الرواتب العامة». وهددت أمينة «الاتحاد العام الإيطالي للعمل» سوزانا كاموسو بالإعلان عن إضراب عام. وقالت: «إذا تأكدت الإشاعات حول حزمة الإجراءات الاقتصادية، فإننا سنتابع التحرك لتغييرها، من دون استثناء خيار القيام بإضراب عام». وكانت كاموسو تشير إلى أنباء تناقلها بعض وسائل الإعلام، عن نية الحكومة إجراء اقتطاعات تقاعدية. ودعت رئيسة اتحاد الصناعات الإيطالية إيمّا مارتشيغاليا إلى «العمل بسرعة لأن البلاد تحتاج لإجابات» عاجلة.