منذ 11 عاماً ومسلسل «طاش ما طاش» يثير النقع، ويفتح أبواب الجدل، ويقسّم مشاهديه إلى فسطاطين «مؤيد ومعارض»، بينما تلزم الحياد فئة قليلة، فقد دأب هذا المسلسل الرمضاني على لمس الممنوع، والمسكوت عنه، بل إنه في أعوامه الأخيرة اقتحم مناطق «محظورة»، كان دخولها من المحرمات، وتكبّد بطلاه السعوديان ناصر القصبي وعبدالله السدحان على إثر ذلك تهديدات بالقتل، وحرق الممتلكات، إن لم يرتدا على عقبيهما، ويرتدعا عن «الغي الذي هم فيه يعمهون». وذهب الأمر إلى الدعاء عليهما في المساجد، وقدحهما في خُطب الجمعة، وهو ما كان واحداً من أسباب عدة دفعت القصبي إلى مغادرة البلاد ليستقر مع عائلته في الجارة الإماراتية «دبي». وهذا العام، زاد «طاش» جرعة «الجرأة»، وأعطى الانتقادات «الحادة» فسحة أوسع، وهو ما أعاد السجال الموسمي إلى منصة الإعلام بشقيه الورقي والإلكتروني، وحتى المرئي، فتنازع الناس في ما بينهم، فمن قائل إن هذا غلوّ وتندر بالدين وسخرية من رجاله، إلى قائل إن هذا نقد طبيعي، ويطاول السلوك لا الأشخاص، والأفراد وليس المؤسسات، وأنه لا أحد مُنزّه عن الجلوس فوق «مصطبة» التعرية والتشريح، إن كان ما يفعله خاطئاً ومضراً بالبلاد والعباد. وفي ما اختلف فيه المختلفون، «مسٌّ» القضاة بالانتقاد في مسلسل كوميدي، إذ يرى الرافضون له، أنه تطاول على القضاء، واستهزاء بالدين، وتشويه لصورة السعوديين أمام العالم أجمع، أما المتفقون مع هذا الطرح فذريعتهم هي أن الناس كلهم سواء، والمبالغة في السخرية هي وجه من وجوه الأعمال الكوميدية، وأنها تأتي في المسلسل ضمن سياق طبيعي لا يستدعي الغضب أو التوتر. ولم ينأى دعاة بأنفسهم عن الخوض في قضايا «فنية»، والحديث عنها وكأنها «غُمة» أصابت الأمة، ففي الوقت الذي أطلق فيه الشيخ محمد العريفي لسانه في قناة «دبي» للنيل من المسلسل وبطليه، بقوله: «هؤلاء (فشلونا) عند العالم، ووجدت أن العمل يحتوي على استهزاء وكذب صريحين، وهذا المسلسل محارب للفضيلة وللأخلاق الحسنة، وأدعو إلى عدم متابعته، بل وحذف القناة التي تبثّه»، بل إنه مضى إلى أبعد من ذلك حين دعا القائمين على المسلسل إلى التوبة وترك ما هم عليه من الظلال. وعلى النقيض منه آزر الدكتور الشيخ عائض القرني اللغة النقدية الحادة التي استخدمها بطلا المسلسل السعودي بغرض فضح الممارسات الخاطئة التي يرتكبها مواطنون أياً كانت صفاتهم أو مناصبهم، وقال في حديث فضائي على قناة «إم بي سي»: «لا أجد ما يمنع تناول الظواهر السلبية في المجتمع بالنقد والتعرية، حتى وإن كان بأسلوب ساخر كما يفعل بطلا طاش»، وشدد الداعية السعودي على أن انتقاد قاضٍ لا يعني انتقاد القضاء والدين، «نقد شخص في المؤسسة لا يسيء للمؤسسة بكاملها، لا أحد فوق النقد، بما في ذلك مؤسسات القضاء، إذ يجري عليها ما يجري على بقية المؤسسات والإدارات الحكومية مثل المرور والشرطة والهيئات والوزارات». وانتقد القرني في خط موازٍ المبالغة التي يسبغها بطلا طاش على شكل المتدينين في البلاد، وتقديمهم للمشاهدين على أنهم «دراويش» أو «خبلان» - على حد تعبيره. ولا يجد القصبي وصفاً أدق من «ظاهرة صوتية» لينعت به مناوئي المسلسل، بل إنه واثق من قرب «انقراضهم»، في ظل نسب المشاهدة العالية التي يسجلها «طاش» عاماً تلو الذي يليه، أما الدعاء عليه وعلى صاحبه السدحان في المساجد فلم يعد يهزّهما كما كان. ومن الرحم نفسه الذي ولدت منه جرأة «الطاشيين»، وضع مسلسل «سكتم بكتم» لبطله فايز المالكي حملاً شبيهاً هذا العام، إذ خاض الجزء الثاني منه في قضايا «الأعراق القبلية» الموسومة في السعودية ب 110 و 220و«الشذوذ الجنسي»، حتى إنه لم يتحرّج أو يخجل من تجسيد شخصية «شاب شاذ» في سبيل جعل الصورة واضحة «لا شية فيها»، لكنه على عكس قرينيه - القصبي والسدحان - لم يقترب من «المتدينين» وجعل بينه وبينهم سداً، فهو مقتنع تماماً أن الاستهزاء بالدين والعلماء ورجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قفز على المسلَّمات، بل إنه مستعد لترك الفن ومقاطعة أهله إن كان مدعاة للإساءة إلى «المتدينين»، وعلى لسانه أيضاً فإنه ليس من المقبول ولا اللائق «الضحك وتضييع الوقت على مشاهد تمس العقيدة».