قرأت عن رجل أرسل الى عشرة رجال يعرفهم رسالة من دون توقيع تقول: «أريد أن أحذرك. البوليس يعرف كل شيء». وفي اليوم التالي وجد أن ثلاثة منهم فروا من البلد. الانكليزي يرتكب جريمة أو جنحة كل يوم، حسب استطلاع منشور شمل خمسة آلاف منهم، وإذا كان الانكليزي يفعل ذلك، فالعربي لا بد من أن يرتكب أضعاف ذلك. كانت هناك 20 مخالفة للقانون حددها الاستطلاع، على رأسها تجاوز السرعة أثناء قيادة السيارة، وبعدها الحديث على الهاتف الخليوي أثناء القيادة، أو رمي قمامة في الشارع، أو تعاطي مخدرات، وآخرها حمل سلاح. حمل السلاح لا يعتبر مخالفة في لبنان، فهو مثل الوقوف على ضوء المرور الأخضر، والسير على الأحمر. نترك الانكليز وشأنهم ونسأل ما هي مخالفات القانون الأكثر شيوعاً في العالم العربي؟ مخالفة قوانين السير لا بد من أن تكون في المقدمة عندنا أيضاً، ومنها الوقوف في مكان ممنوع، أو قيادة سيارة من دون تأمين، أو من دون رخصة قيادة صالحة. عندما كنت صغيراً كنا نتهرب من دفع إيجار النقل في الترمواي، ونقفز إذا اقترب منا «المعاون»، أو المفتش، ونطلع في العربة الثانية. وكنا صغاراً نسرق البرتقال من حدائق الجيران، مع اننا لو قطفنا البرتقال أمامهم لسمحوا لنا. في لبنان، حوكمت مرات عدة في قضايا صحافية، إلا أن هذه كانت «جرائم» نفاخر بها، والمرة الوحيدة التي حوكمت فيها لأسباب أخرى كانت عندما اصطدت اثنين من طائر السنونو الممنوع أو المحمي، ولم يشفع لي انني أحمل رخصتي حمل سلاح وصيد. وفوجئت بعد سنوات من الحرب الأهلية بأن سجلي العدلي يذكر أن عليّ حكماً قضائياً بغرامة 25 ليرة لصيدي السنونو. وكتبت أن مئة ألف لبناني ماتوا ولم يحاكم القتلة، وأنا أحاسب في عصفور، وتلقيت بعد ذلك رسالة طريفة من الدكتور غازي القصيبي نبَّهني فيها الى أن جون سنونو هو مدير مكتب جورج بوش الأب، وان جنايتي أكبر مما أتصور، ونشرت رسالته في هذه الزاوية لأن أخانا غازي مرجع في الموضوع، فهو يحمل دكتوراه في القانون. في لندن نجوت على رغم «لبنانيتي» من مخالفات السير التي لا أعتبرها جرائم أو حتى جنحاً، وأستثني أن يسوق إنسان سيارة وهو مخمور. طبعاً هناك سرقة سيارات في كل بلد، وأعتقد أن نصيبنا منها أقل مما نرى في العواصمالغربية. بل أعتقد أن جميع أنواع السرقات أقل في بلادنا، وفي انكلترا حيث أقيم أقرأ بين حين وآخر عن مواطن أمسك بلصّ في بيته واتصل بالشرطة فقالوا له انهم مشغولون. وأعرف انه إذا احتجز مواطن لصاً قاصراً، يترك القاصر ويوقف المواطن، ما يشجع الصغار على مخالفة القانون. ربما كان أشهر السرقات أن يسطو لص على بنك كما نرى في الأفلام، وكان أحد أخطر الخارجين على القانون في الغرب الأميركي سئل: لماذا تسطو على البنوك؟ ورد: لأن الفلوس هناك. اليوم نستطيع أن نقول أن السرقة الحقيقية هي أن تؤسس بنكاً، بعد السطو على حسابات الزبائن في إفلاسات البنوك في الشرق والغرب. ولا ينافس البنوك في السرقة هذه الأيام سوى رجل ملثم، ليس لصاً، وإنما هو طبيب جراح. وعندما يرى الإنسان فاتورة الطبيب يدرك لماذا ارتدى قناعاً وهو يعالجه. ويقولون الجريمة لا تفيد، غير أن هذه دعاية، فالجريمة تفيد بتوفير وظائف للشرطة والمحامين. وإذا عدنا الى الموضوع الأصلي وتجاوزنا مخالفات السير، فإن أكثر جريمة يرتكبها العربي هذه الأيام هي في حمل أشياء ممنوعة عبر الحدود، خصوصاً في المطارات. عدت مرة من رحلة صيد ومعي مجموعة من طيور الحجل و «الفيزان»، أو الديك البري كما أسميه أنا، وصادرها رجال الجمارك في مطار لندن، واعترضت ورفضت تسليمها، لأن المواطن يستطيع مجادلة الشرطة في بريطانيا من دون أن يوضع في قفص الطيور التي يحملها. إلا ان رجال الجمارك أصروا على مصادرتها لأن استيراد اللحم «الحي» ممنوع. ويعرف كثيرون من اللبنانيين هذا لأن ما يحملون من «لحم بعجين» يصادر، وهناك كلاب مدربة، بعضها اختصاصه أن يشم النقود، فحمل «الكاش» من هوايات العرب، مع أن حاملها يواجه تهمة «تبييض» الأموال، أو انها أموال مخدرات لتصبح التهمة مضاعفة. إذا كان لا بد من جريمة أو جنحة كل يوم، فالأفضل أن تكون في قضايا السير، ونترك الجنايات لأصحابها لأنني لم أعد أعرف هل الجريمة أكثر في الشارع أو في برامج التلفزيون.