نائب أمير تبوك يطلق حملة نثر البذور في مراعي المنطقة    منتدى المدينة للاستثمار.. يراهن على المشروعات الكبرى    انطلاق منافسات سباقات الخيل في ميدان الفروسية بالدمام الجمعة المقبل    عبد العزيز بن سعد يشهد الحفل السنوي لجمعية الأطفال ذوي الإعاقة بحائل 2024    المملكة تُطلق الحوافز المعيارية لتعزيز الصناعة واستقطاب الاستثمارات    مدرب البحرين مازحاً: تمنياتي للعراق التوفيق في كأس العالم وليس غداً    سفير المملكة لدى أوكرانيا يقدّم أوراق اعتماده للرئيس فولوديمير زيلينسكي    خطة تقسيم غزة تعود إلى الواجهة    225 مليون مستفيد بجمعية هدية الحاج والمعتمر    مسفر بن شيخة المحاميد في ذمة الله    فريق علمي لدراسة مشكلة البسر بالتمور    فرصة لهطول الأمطار على الرياض القصيم الحدود الشمالية والشرقية    من رواد الشعر الشعبي في جازان.. عبدالله السلامي    تشريعات وغرامات حمايةً وانتصاراً للغة العربية    "الوعلان للتجارة" تحتفل بإطلاق "لوتس إمييا" 2025 كهربائية بقدرات فائقة        "البروتون" ينقذ أدمغة الأطفال.. دقة تستهدف الورم فقط    الترفيه تعلن عن النزالات الكبرى في فعالية UFC ضمن «موسم الرياض»    الجيلي يحتفي بقدوم محمد    جسر النعمان في خميس مشيط بلا وسائل سلامة    وزير داخلية الكويت يطلع على أحدث تقنيات مركز عمليات 911 بالرياض    عمان تواجه قطر.. والإمارات تصطدم بالكويت    تيسير النجار تروي حكاية نجع في «بثينة»    الصقارة.. من الهواية إلى التجارة    زينة.. أول ممثلة مصرية تشارك في إنتاج تركي !    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع    قبل عطلات رأس السنة.. أسعار الحديد ترتفع    "الصحي السعودي" يعتمد حوكمة البيانات الصحية    مستشفى إيراني يصيب 9 أشخاص بالعمى في يوم واحد    5 طرق لحماية أجسامنا من غزو البلاستيك    وتقاعدت قائدة التعليم في أملج.. نوال سنيور    «بعثرة النفايات» تهدد طفلة بريطانية بالسجن    رشا مسعود.. طموح وصل القمة    "فُلك البحرية " تبني 5600 حاوية بحرية مزود بتقنية GPS    استدامة الحياة الفطرية    قدرات عالية وخدمات إنسانية ناصعة.. "الداخلية".. أمن وارف وأعلى مؤشر ثقة    آبل تطور جرس باب بتقنية تعرف الوجه    محمد بن سلمان... القائد الملهم    تنمية مهارات الكتابه الابداعية لدى الطلاب    منصة لاستكشاف الرؤى الإبداعية.. «فنون العلا».. إبداعات محلية وعالمية    محافظ جدة يطلع على برامج "قمم الشبابية"    البرازيلي «فونسيكا» يتوج بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2024    هجوم ألمانيا.. مشهد بشع وسقوط أبشع!    سيكلوجية السماح    عبد المطلب    زاروا معرض ومتحف السيرة النبوية.. ضيوف «برنامج خادم الحرمين» يشكرون القيادة    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    26 مستوطنة إسرائيلية جديدة في عام 2024    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    إعداد خريجي الثانوية للمرحلة الجامعية    التشريعات المناسبة توفر للجميع خيارات أفضل في الحياة    سعود بن بندر يلتقي مجلس «خيرية عنك»    خادم الحرمين يرعى منتدى الرياض الدولي الإنساني    تجويد خدمات "المنافذ الحدودية" في الشرقية    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    لتعزيز الروابط النيابية وتوعية الجمهور.. تدشين الموقع الالكتروني لجمعية النواب العموم العرب    ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجامعة العربية والتحرير: جدل الموقع والتغيير
نشر في الحياة يوم 08 - 08 - 2011

نتغير ولا نتغير، هذه هي المعضلة التي تواجه بعض المتابعين لتطور ما صار يعرف بالنظام الإقليمي العربي. هل حقاً تغير النظام الإقليمي إلى حد أن بعضنا لم يعد واثقاً من أنه قائم فعلاً، أم تغير بعض مكوناته وبقيت غالبيتها تتحدى الزمن والحكام والشعوب جميعاً؟ دفعتني للكتابة اليوم في هذا الموضوع ثلاثة تطورات، فاجأتني بقدر ما أثارت فضولي وجددت اهتمامي بالجوانب النظرية في تطور النظام الإقليمي العربي، وهي الجوانب التي حرضتني قبل ثلاثين سنة على الاهتمام بالنظام العربي. أما التطورات التي استجدت فيتعلق أحدها بالضجة المثارة حول دور الأمين العام لجامعة الدول العربية وموقعه في هذا النظام، ويتعلق ثانيها بحال العجز الشديد التي تعاني منها شرعية لاعبين أساسيين في النظام، ويتعلق الثالث بالانفجار الحاصل في قضية هوية شعوب المنطقة العربية.
أولاً: الأمين العام للجامعة
للأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية خاصيتان أولاهما أنه كان محل ثقة هائلة لدى الرأي العام العربي في أكثر من قطر عربي عندما تولى منصب وزير خارجية مصر في عهد «ثورة يناير»، إذ ساعده الحظ وتاريخه القضائي والديبلوماسي والظروف التي أحاطت به وبمصر ليتولى قيادة الديبلوماسية المصرية، وينتهز الفرصة ليجاهر بالتعبير عن رأي الثوار في سياسة مصر الخارجية قبل الثورة، وخلاصته أن نظام الحكم القائم وقتها أخضع إرادة مصر لإرادات خارجية وحشرها في مواقع مهينة وصمم لها توجهات سياسية كانت مرفوضة شعبياً.
لم يكن غريباً والأمر كذلك أن تحظى مواقف الوزير الجديد بالدعم الشعبي، باعتبار أنها جسدت تغييراً جذرياً وملموساً، ولعله كان التغيير الأول والوحيد الذي أحدثته الثورة بعد رحيل مبارك. كانت مواقف الوزير هي الأكثر انسجاماً بين مواقف المسؤولين مع أهداف الثوار. ثم وقعت الصدمة حين تقرر ترشيح الوزير المتبني أفكار الثورة وأهدافها وأحد حماتها وحكمائها، ليحتل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية. كان من نتائج الصدمة انتشار شائعات تتناقل روايات تآمرية، وإن كان بعضها يستند فعلاً إلى حجج قوية وإنسانية وواقعية. قيل إن الوزير «أجبر» من طريق ابتزازه وطنياً وأخلاقياً ليقبل بالرحيل عن وزارة الخارجية. خلاصة الأمر أن السياسة الخارجية المصرية عادت برحيله أو هي تعود الآن إلى جوهرها قبل الثورة، وأن الرجل نفسه «تورط» نظامياً وسياسياً وواقعياً وقومياً في نسق مختلف تماماً. هو قادم من حالة ثورية في مصر إلى حالة مستقرة في استكانة ووداعة وملل في الجامعة العربية، الوجه المؤسسي للنظام الإقليمي العربي. ولا شك عندي في أن هذا الوضع سيحتاج من كلا الطرفين، الأمين العام والجامعة، إلى بذل جهود هائلة للتوافق والتأقلم وإلا فالمتاعب تنتظرهما.
ثانياً: الشرعية الناقصة.
عرف النظام العربي مراحل شتى واجهته في بعضها مشكلات خاصة بشرعية وجود لاعب أو أكثر بين أعضاء الجامعة العربية وبرضى، أو بعدم رضى الغالبية عن سلوك عضو أو آخر. واجه أيضاً الانقسام بسبب التهافت على إنشاء تحالفات سياسية وتجمعات إقليمية بين أطراف في النظام. وواجه بدرجات متفاوتة مشكلات ناجمة عن نقص التضامن في مواجهة أحداث تمرد شعبي على نظام حاكم في دولة أو أخرى من الدول أعضاء النظام .
إلا أنه لم يحدث في أي مرحلة من مراحل تطور النظام الإقليمي العربي أن أعلن أكثر من نصف الأمة في وقت واحد سحب الشرعية من عدد غير قليل من أنظمة الحكم. يكفي أن تلقي نظرة خاطفة على خريطة تبثها يومياً قناة فضائية عربية عن الثورات العربية الناشبة في عدد كبير من المدن العربية لندرك أن حوالى نصف مساحة «النظام العربي» وأكثر من نصف سكانه يخضعون لحكومات مرفوضة من الشعب. بمعنى آخر ندرك أن النظام العربي في حالته الراهنة يفتقر إلى جانب كبير من الشرعية اللازمة للاستمرار في أداء دوره في حماية حدوده وتكريس هويته والمحافظة على حقوق شعوبه وثقافتها وتراثها، بل ولندرك أنه بهذه الشرعية الناقصة قد لا يحق له الدخول في مساومات واتفاقات تمس حاضر الأمة ومستقبلها.
ببساطة شديدة يمكن القول إنه لم يعد ممكناً الادعاء بأن آليات النظام الإقليمي العربي ومؤسساته تتمتع بالشرعية الكافية التي تسمح لها بالاستمرار في إدارة وظائفها، وإن فعلت، أي إن استمرت، فإنها ستثير الشكوك حول شرعية وجودها وحقها في إدارة العمل القومي. وللتوضيح نضرب مثلاً، لعله الأحدث والأهم في سلسلة من التطورات الكاشفة، إذ إنه حين زار الأمين العام الجديد للجامعة إحدى الدول الأعضاء، وأقصد سورية تحديداً، حيث الثورة ناشبة ضد نظام الحكم فيها، وكان الغرض من الزيارة التدخل بوازع دوره القومي لوقف العنف ضد المتظاهرين في المدن السورية، استغلت أجهزة الإعلام السورية وكذلك الأجهزة الناطقة باسم الثورات العربية تصريحاً له يرفض فيه التدخل الخارجي لإسقاط الشرعية عن نظام عربي حاكم. استفادت الأجهزة السورية الحكومية لتثبت أن النظام العربي، ممثلاً في شخص الأمين العام، يؤكد شرعية حكام سورية، واستغلتها القوى الثورية لتثبت صدق حدسها عن المؤامرة التي أخرجت الوزير من وزارة الخارجية المصرية، ولكن لتؤكد أيضاً ما هو أهم، وهو أن للأمين العام لجامعة الدول العربية دوراً قومياً يتقدم على دوره المؤسسي أو التنظيمي، فالرجل كأسلافه، وبخاصة أولهم عبدالرحمن عزام، أراد أن يؤكد شرعيته كأمين عام يستمد الجانب الأعظم منها من الأمة العربية مباشرة وليس عبر أنظمة الحكم فيها. فإذا كان الشعب قد قرر سحب الشرعية من حاكم، يصبح واجب الأمين العام الإنصات للثوار وربما في مرحلة من المراحل الامتثال لهم وليس للحاكم. يرد القانونيون بأن ميثاق الجامعة يضمن أن تكون شرعية الأمين العام مستمدة من إرادة الحكام العرب وقرارهم بتعيينه في هذا المنصب. ولا يخفى على أحد أن في ظل الظروف الراهنة واحتمالات تطور الأوضاع في النظام العربي، قد تتفاقم المشكلة ويزداد الوضع الدقيق للأمين العام تأزماً وحساسية.
ثالثاً: الهوية:
الهوية قضية العصر، ففي كل مكان في العالم تحتل هذه القضية الأولوية في اهتمامات الشعوب والطبقات الحاكمة على حد سواء. هي قضية النظام الإقليمي الأوروبي حيث تتفجر قضايا القومية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي وقضايا الغجر والمهاجرين المسلمين والأفارقة. وفي أميركا اللاتينية حققت الشعوب الأصلية إنجازات رائعة في مجال استرداد الهوية، ومنها اختراق الطبقة السياسية والوصول إلى الحكم في بعض الدول. وفي النظام الأفريقي نشأت المشكلة مع نشأة الدولة الأفريقية المستقلة وما زالت مستعرة. أما في النظام الإقليمي العربي، فهي قائمة منذ أن كانت هذه المنطقة مهداً للبشر والقيم والأفكار، أي منذ آلاف السنين، تهدأ حيناً وتتفجر أحياناً كثيرة، وهي الآن تعود متفاقمة كما كانت في أشد العصور فتنة وانقساماً.
أدرك جيداً حساسية الحديث عن القرارات التي اتخذتها الدول الأعضاء في النظام العربي لضم جزر القمر والصومال وجيبوتي كأعضاء دائمي العضوية في الجامعة العربية، وأدرك دقة وحساسية موقف الأمانة العامة للجامعة عندما تقرر دولة عربية بعد أخرى حذف صفة «عربية» من هويتها، وهو ما حدث فعلاً في دولة هي في الأصل عضو مؤسس للجامعة العربية، وقد تقع الجامعة العربية قريباً تحت ضغوط حين تتعدد مطالب الأقليات الثائرة في الدول العربية لضمان حقها في التعريف بها عند التعريف بهوية الدولة التي تعيش فيها.
تتعرض أركان الشرعية في الدول العربية للتشكيك فيها، وهذا في حد ذاته احتمال يفرض على المسؤولين عن العمل العربي المشترك الانتباه والاستعداد. لا يخفى أن شرعية معظم أنظمة الحكم مهددة كلياً أو جزئياً، وأن شرعية الانتماء والهوية في النظام العربي مهددة، وأن شرعية الجامعة العربية كمؤسسة قومية مهددة. لذلك لا يخالجني شك في أن النظام الإقليمي العربي يمر بلحظة تاريخية حاسمة سيتقرر فيها مصيره ومصير مؤسساته.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.