لن يتمكن أحد من وقف عرض مسلسل محمود درويش على الفضائيات العربية لأسباب كثيرة، فالفضائيات نفسها لن تغامر بذلك، مع احتدام النقاش من حوله. حتى الفضائية الفلسطينية التي قد تلعب دوراً ما لن تفعل ذلك، أقله حتى الآن، فهذا سيوفر لها غلالة من الاعلانات التجارية لم تكن تحلم بها. هذا واقع يفرضه التلفزيون نفسه، وهو يفصح عن هويته الحقيقية، ولا يمكن تجاوز ذلك ببساطة، وما على محبي الشاعر ومريديه إلا المشاهدة بقلوب كسيرة مع الحزن والأسى والفقدان، أو الاقلاع عن ذلك والبحث عن مسلسلات أخرى قد تشفي ما في القلوب من جروح. ومع ذلك لم تكن الأصوات التي ارتفعت من قبل على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبة بمنع فراس ابراهيم من أداء دور الشاعر الكبير تسمح لنفسها بأن ترفعه إلى موقع التقديس. لا نزعم ذلك، وأكثر، لم نقرأ أو نتابع سوى الأصوات التي كانت تطالب بممثل على سوية من الموهبة، ونص لا يخالط بعض المفارقات التي طاولت الشاعر في حياته، فأصبحت ملجأ درامياً للكاتب والمخرج يحتميان بها، كلما أحسا بالدائرة تضيق من حول عالم رحب وقصي مثّله محمود درويش في شعره وحياته، وها نحن نقع على ذلك منذ المشاهد الأولى – تقول هذه الأصوات - وهنا تكمن مشكلة هذا المسلسل، إذ بدا واضحاً أن صنّاع العمل عمدوا إلى تحميل العمل ما لا يمكن تحميله، عبر مراكمة مفارقات بدهية عاشها درويش كإنسان وشاعر من طراز فريد. ولم تكن تعنى الأصوات التي ارتفعت مطالبة بمنع تصوير أو عرض المسلسل سوى بالبحث عن مطابقة محقة بين الشاعر في الصورة الموعودة، وتلك التي قامت عبر تصورات مركبة أنتجتها القراءة المتواصلة لعالم الشاعر، حتى تمكن هذه المطابقة من تقديم صورة عاطفية ونقدية لا تنال من أيقونة ثقافية عربية طالبت الأصوات نفسها بحمايتها وتقديمها عبر أقانيم الابداع لا تقديسها. وهي هنا تتشكل من النص والمخرج والممثل الذي سيلقى على كاهله أن يقوم بأعباء دور لعبه صاحبه في الواقع بكل ذلك الشغف الانساني حتى تحول قلبه في صدره إلى لغم متحرك كان يهدده بالانفجار في كل لحظة. وما شاهدته ووجدته هذه الأصوات حسب غالبية التعليقات التي وردت على مواقع التعبير الاجتماعي، وليس التواصل فقط، إنها تقف أمام شاعر لا يحمل لغماً أو لغة أو حتى لعنة. والأسوأ أن قصائد تحمل طابعاً خاصاً اجتُزئت بما يتناسب مع ثقافة كرستها الفضائيات العربية عبر عقدين ماضيين، وثقافة جمهور يقع في معظمه في فخ التناقض والارتباك الثقافي والفني. ولنا في ما جرى مع قصيدة «درس في الكاما سوترا» في الحلقة الثانية عظة تدلل على توجهات صنّاع العمل المسبقة بتنظيف سيرة أحد أكبر شعراء العربية في القرن العشرين وتعقيمها. «سنشاهد العمل مضطرين حتى نهايته»، يقول بعض الأصوات على موقع «فايسبوك»، ولن يكون في وسعنا سوى الترحم على وقت ضائع، كان بالإمكان رفع سويته درامياً، بدل التقليل من قيمته عبر الركون إلى صور لا تزاحم مخيلة مشاهد – خاص واستثنائي – كان يبحث عن شيء لم يعرفه في حياة محمود درويش، وعن ممثل يستطيع أن يقدم له في أدائه شيئاً غير وصفة الكارثة.