لا يختلف اثنان على توقهما لاستقبال ضيفهما الرفيع وتقدير ضيافته أياً كان بمضاعفة العمل الصالح والصدقة والالتزام بحسن الخلق، إلا أن تعاطي الكثير من الناس مع هذا الشهر يختلف ما بين أسرة وأسرة وشخص وآخر تبعا لعادات وأسلوب حياة اعتاد على وتيرتها معظمهم لتظل أشبه بمشاهد متنوعة، لكنها تلتقي عند «رمضان». كالعادة من كل رمضان، تلتف بنات أم ياسر حولها ظهراً ويستمتعن بمشاهدة بعض من البرامج الدينية في وقت يتزامن مع تأدية كل واحدة منها مهمتها أمام التلفزيون بين لف السمبوسة وتقطيع السلطة وحشو عدد من الخضراوات وتحضير شيء من العصيرات الطازجة، لتتكفل الأم في النهاية بطهو طعام الإفطار بمساعدة بناتها. ولدى أم ياسر طريقتها الخاصة في توفير الوقت حتى للذهاب إلى المسجد لصلاة التراويح، فهي اعتادت على إمامة بناتها والصلاة في المنزل، وتدبر القرآن، ومن ثم التسامر مع أفراد الأسرة، والتواصل مع الأقارب عبر الهاتف. أما خريجة الدراسات الإسلامية مها محمد فتقول: «أكرس معظم وقتي خلال رمضان في إلقاء عدد من المحاضرات الدينية عن شهر رمضان ومدى أفضليته في عدد من الأماكن العامة ومنازل بعض الأقارب وتوزيع عدد من النشرات الدينية التوعوية، إضافة إلى إرسال رسائل تذكيرية ووعظية إلى كل من اعرفهم، عل وعسى يتقبل الله صالح أعمالنا». في حين لا تتأخر أم سعود (55عاماً) بعد تأدية صلاة التراويح في مسجد حارتها عن تفقد جاراتها في بيوتهن يومياً، وفي ذلك تقول: «لا أحب أن أكلف على احد شيئاً لضيافتي، بل إن كل الأمر ببساطة هو حرصي على التواصل وتقوية الأواصر بيني وبين جاراتي، فبعد الانتهاء من واجباتي الدينية والمنزلية، اجتمع مع جاراتي طوال شهر رمضان وكل واحدة تبوح بما لديها من سوالف وقصص ومواقف مرت بها خلال اليوم ونستشير بعضنا البعض في حال احتارت احدانا في أمر ما، ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل نستغل جمعتنا اليومية بجمع تبرعات بحسب استطاعتنا ومنحها لإحدى الأسر المتعففة، أما الجزء الآخر فنتبرع به لمصلحة جوائز المسابقات الدينية في المسجد». أما لولوة علي فكان كل همها وما يشغل جل بالها خلال شهر رمضان (الفرزنة) التي أصبحت ظاهرة رمضانية لا تتأخر معظم البيوت السعودية في الاعتماد عليها كلية قبل دخول رمضان وعلى رأسهم السيدات العاملات، في ظل تذمر واستياء أزواجهم ورغبتهم في تناول كل ما هو طازج فضلاً عن مجمد، وفي ذلك تقول: «انتهاء مدة خادمتي وسفرها قبل رمضان، أضاف إليّ الكثير من الأعباء المنزلية والزوجية والأسرية، وهو ما اضطرني إلى استئجار إحدى العاملات غير النظاميات لمساعدتي خلال شهر رمضان وتكفلها بلف وحشو كميات من المقليات أياً كانت ووضعها في علب وتجميدها بالفريزر واستخدامها وقت ما أشاء في مقابل مبلغ لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال، على رغم أن زوجي وأبنائي لا يحبذون أي طعام مجمد ويطالبونني دائما بطهو كل شيء طازج، إلا أن افتقاري إلى العاملة أولاً ومبالغة زوجي في إقامة العديد من الولائم والعزائم كل بضعة أيام، جعلاني أقضي معظم وقتي في المطبخ». من جهتها، أكدت الاختصاصية الاجتماعية ليلى الغامدي أن «الألفة والمحبة والمودة والتجمعات الأسرية الحميمة تتضاعف ملامحها في رمضان مقارنة ببقية أشهر السنة، كما أن ممارسة مختلف الروحانيات ومضاعفتها تزيد على توثيق العلاقة بين الخالق والمخلوق، وهو ما يسهم في تحسين الشخص علاقاته مع من حوله وسعيه إلى تحسينه أوترميم ما انهار منها خلال الأشهر الماضية رغبة في رضا الخالق». وحذرت من منح الأسر والأفراد مساحة كبيرة ووقت طويل لمشاهدة البرامج التلفزيونية والجلوس أمام الشبكة العنكبوتية من دون الاكتراث بالاستمتاع والجلوس مع بقية أفراد الأسرة وتبادل الحديث بحميمية ودفء مع من حولهم. ونصحت بإعطاء الأولوية والوقت الأكثر لهم، فضلاً عن الاكتفاء بأن يكونوا مجرد جهة استقبال لأجهزة الكترونية، تؤدي مع الوقت إلى فتورفي العلاقات الاسرية.